سبحان الله والحمد لله والله أكبر، ولا إله إلا الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد.
(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8))، فإن الموت نهاية كل حي، وهو مصير محتوم لا فرار منه أبدا، ولا محاباة فيه، وهو ناموس من نواميس الكون سار على الخلائق منذ خلق آدم –عليه السلام- حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومن أعجب ما في الحياة أن الموت ذلك الحدث الذي يحدث في اليوم آلاف بل ملايين المرات، وتتكرر رؤيته لكل إنسان لا يفقد هيبته ولا يذهب وقعه مهما تكرر، فهو موجع مفزع، تكرهه النفوس وتقشعر لهوله الأبدان.
ولأن ديننا دين الرحمة والسماحة ودين الحب، ولأنه دعوة دائمة وخالدة للترابط والتكاتف والتعاون بين الخلق، فقد جعل للإنسان على إخوانه من بني جلدته وأصحاب ملته وأبناء حيه أو منطقته وذوي رحمه حق المساندة والتخفيف والقرب في الدنيا، وفي أحوالها المتقلبة، ويمتد هذا الحق ويظل قائما للإنسان وللمسلم خاصة مع أول مراحل ما بعد الموت، فمن حق الميت أن يلتف حوله أهله وذويه ويحسنون تكفينه وتوديعه وإكرامه بالدفن، ومن حقه على من هم أبعد درجة من عامة المسلمين أن يتبع جنازته، ويصحبه إلى مثواه الأخير، ويصلي عليه ويدفنه، ويمكث بعض الوقت حتى يفرغ من الاستغفار والدعاء له بالرحمة والمغفرة وسعة القبر ونور القبر والثبات عند السؤال، وغيرها من الدعوات التي يحتاج إليها الميت.
لذا أفردنا هذا المقال خصيصا للحديث عن ثواب وفضل اتباع الجنائز والصلاة عليها للميت والحي.
فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها للميت
من المعلوم لدي أن كثرة المتبعين للجنازة دليل على رحمة الله لها، وأن كثرة المصلين عليها والداعين معها يجعل الدعاء أقرب للاستجابة، فبدعوات المسلمين للميت تتنزل الرحمات ويرزق الثبات وكلما كثر العدد كثر الصالحين منهم وكان الدعاء أرجى.
فوائد اتباع الجنائز وفضله والثواب المعد له
أن في اتباع الجنائز وحضور الصلاة على الميت وحضور دفنه ثم الدعاء والاستغفار له، فوائد كثيرة وخير وفير ومن ذلك مثلا:
التذكير بالموت، وإيقاظ القلوب من الغفلة، وتجديد مشاعر التوبة والإعداد ليوم الرحيل، وربما كان ذلك سببا في فعل طاعة أو التقرب إلى الله بعمل خير من صدقة أو غيرها، وفي هذا فضل كبير.
هو من باب مساعدة ومساندة أهل الميت في أمور الجنازة وحملها ودفنها، وكلها أمور يشق على أهل الميت القيام بها وحدهم.
اتباع الجنازة والصلاة عليهم فيه رحمة بالميت وشفقة عليه، وعزاء ومواساة لأهل الميت حتى لا يواجهون هذا الحدث وحدهم.
كما أن اتباع الجنائز والصلاة عليها ودفنها، كلها أمور مستحبة شرعا، وقد أعد الله لفاعلها جزيل الثواب وعظيم الأجر، وهذا ما دلنا عليه النبي –صلى الله عليه وسلم-، لذا يعتبر اتباع الجنائز باب من أبواب تحصيل الأجر والثواب.
ثواب اتباع الجنائز في الإسلام
شرع الله اتباع الجنازة وبينت لنا السنة فضل واستحباب ذلك، وأجره العظيم ومن ذلك ما ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل يا رسول الله ما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين)،وفي رواية أخرى يقول –صلى الله عليه وسلم-: (من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل جبل أحد) وهنا قيد الأجر بنية المسلم المتبع للجنازة، وقصره على من كانت نيته إيمانا بالله واحتسابا للأجر والثواب عنده عز وجل، ولا عجب فقد يتبع الإنسان جنازة بدافع الرياء أو الفخر والظهور وغيره من النوايا السيئة التي تمحق الأعمال، وتضيع ثوابها.
ومن ثم فإن هذا الحديث هو دعوة لإحياء تلك العبادة، والحرص عليها لما فيها من تذكير القلوب من غفلتها، وما فيها من الثواب الكبير الذي وعد الله به فاعلها، ولكي يسخر الله للإنسان من الصالحين والأتقياء والأنقياء من يتبع جنازته، ويصلي عليه ويستغفر له في يوم أحوج ما يكون إلى الدعاء والاستغفار.