ومع الحديث والإطناب في ذكرى رحلة الإسراء والمعراج، نتذكَّر سويًّا تِلك الكرامات الثلاث التي أُعطيت للنبي ﷺ لم يعطهن نبيا كان قبله.
نعم، فالصحابيٌ الجليل عبد الله بن مسعود، من أوائل من أسلم. له حديث يقول فيه “لما بلغ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ سدرةَ المنتهى في رحلة الإسراء والمعراج قال انتهى إليها ما يعرجُ من الأرضِ وما ينزلُ من فوقِ قال فأعطاه اللهُ عندَها ثلاثًا لم يُعطِهنَّ نبيًّا كان قبلَه: فُرِضت عليه الصلاةُ خمسًا، وأُعطِيَ خواتيمَ سورةِ البقرةِ، وغُفِر لأمَّتِه المقحماتِ ما لم يشركوا باللهِ شيئًا”.
يقول الشيخ صالح المغامسي أن فرائض الدين كلها فُرضت والنبي عليه الصلاة والسلام في الأرض. إما في مكة وإما في المدينة وإما فيما بينهما. يأتي جبريل عليه السلام بالوحي، فيعلم الناس ما افترضه الله جل وعلا عليهم، مثل الصيام، الصدقات، الحج وغير ذلك مما أمر الله به أو نهى عنه.
فكُل ذلك وقع، والنبي عليه الصلاة والسلام في الأرض.
الأولى: الصلوات الخمس
أما الصلوات الخمس، فقد فُرِضَت على نبينا ﷺ وهو عند سدرة المنتهى في ليلة الإسراء والمعراج. وهذا يدل على أن الصلاة معراجٌ روحي بالعبد إلى ربه.
ومن قرأ القرآن تبيَّن له عظيم هذه الفريضة عند الله. كيف أن الله عز وجل أمر بها وأمر بالصبر عليها وأمر بأن نحُثَّ أهلينا وأبنائنا عليها.
قال تعالى “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا” ~ سورة طه – الآية ١٣٢.
ولما أثنى الله على إسماعيل قال “إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا | وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا” ~ سورة مريم – الآية ٥٤-٥٥.
فهذا ما يتعلَّق بالصلوات الخمس، وكيف أن موسى عليه السلام أخبر الحبيب عليه الصلاة والسلام أن الأُمَّة لا تقدر على الخمسين واسأله التخفيف، فوصلت لخمس صلوات فقط.
الثانية: خواتيم سورة البقرة
والمراد به الآيتان، عن قول الله عز وجل “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ | لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” ~ سورة البقرة – الآية ٢٨٥-٢٨٦.
هاتان الآيتان الكريمتان أُعطيَت النبي عليه الصلاة والسلام وهو عند سدرة المنتهى في تلك الرحلة العظيمة، وهي الإسراء والمعراج. ثم جاء بعد ذلك ملكٌ إلى الأرض والنبي في المدينة. وهذا الملك لم يكن قد نزل إلى الأرض قبل. وقال للنبي ﷺ: أبشِر بنورين أوتيتهما: سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة.
سورة الفاتحة نزلت والنبي ﷺ في مكة (على الصحيح). لكن خواتيم سورة البقرة أعطيها النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الملأ الأعلى، ولكن أجرها والأخبار عن نورها جاءه عن طريق ملكٍ استأذن ربه أن ينزِل فنزل، فأخبر وبشَّر النبي ﷺ بذلك الأجر، وهو ﷺ في الأرض.
الثالثة: يغُفِر لمن مات من أمته لا يُشرِكُ بالله شيئًا – المقحماتِ
وهذه بِشارةٌ عظيمة للأُمَّة. والمقحماتِ هي كبائر الذنوب التي تُقحِم صاحبها في النار.
الرد على الخوارج
وهذا الحديث في ردٌ عظيمٌ على الخوارج الذين يقولون أنّ صاحِب الكبيرة يخلَّد في النار.
فالحديث صحيح، عن عبد الله بن مسعود، في صحيح مسلم. وفيه ردٌ عظيم على الخوارج الذين يقولون إن صاحب الكبيرة لابُد أن يُخلَّد في النار.
والجمع بين هذا الحديث وما بين آيات الوعيد أن يُقال أن هذا الحديث مقيد بآية سورة “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ” ~ سورة النساء – الآية ٤٨.
فمعنى قول بن مسعود “غُفِر لأمَّتِه المقحماتِ ما لم يشركوا باللهِ شيئًا” أي لمن شاء الله أن يغفِر له. أي داخِلٌ تحت المشيئة، أي: لا يُخلَّدُ في النار.
فهذا الإطلاق في هذا الحديث مقيدٌ بالآية السَّابِق ذكرها في سورة النساء.