في صبيحة اليوم كنت استعرض الصحف واستوقفتني هذه الفقرة من مقال الاستاذ ابراهيم عيسى يحلل الوضع الحالي الذي تعيشه مصر يقول فيها: “ظهر أن التعليم منحط بدليل أنه لم يُخرِج لنا العقلية النقدية القادرة على تفرقة الصحيح من المكسور، الطيب من الخبيث، بل أنتج لنا شعبا بعقلية لا تميز ولا تفرز الشائعات، وتصدق بمنتهى السهولة الأكاذيب، وتردد الترهات، وتتعصب وتتطرف وتكفّر وتخوّن. ظهر أن الثقافة محدودة، ولعلها منعدمة، فلا إدراك للتاريخ السابق، ولا تعلم من الماضي، ولا دراية بالواقع ولا مكتسبات من العصر، ظهر أن الوعى مفقود (ومفتقَد)، فصار الجميع مشوشا ومرتبكا وحائرا ومكتئبا”.
وعندما افتح صفحات الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعى يتأكد لي هذا الوصف والذي كنت أحاول إنكاره خلال الاشهر الماضية فى محاولات مضنية للحفاظ على ثقتي في هذا الشعب العظيم وهذا الشباب الثائر الذي أنتج هذه الثورة المباركة.
ولكنها الحقيقة شئنا أم أبينا.. اعترفنا أم أنكرنا وما هذا إلا إفراز طبيعي لتدهور التربية الأسرية أولاً، ثم التعليم ثانياً، ثم مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالتنمية البشرية ثالثاً، ثم بعدم وعى الشباب أنفسهم بمشكلتهم، أو إهمالهم تنمية قدراتهم الفكرية والنقدية والتحليلية والإبداعية بعيدا عن العشوائية والعاطفية والارتجال.
وللأسرة دور كبير في تنمية مثل هذه القدرات الفكرية عند الطفل منذ نعومة أظفاره طالما أن المدرسة لازالت تعتمد على حفظ المعلومات وتثبط أي محاولة للتفكير في المعلومة.
والتفكير هو عمل العقل ولكن هناك تفكير ايجابي وهناك آخر سلبي ..هناك تفكير منتج وتفكير هدام ..هناك تفكير فاعل وتفكير محبط.
وهناك عدة برامج عالمية لتنمية مهارات التفكير عند الطفل ولكنها كلها تصب في هدف واحد وهو تنمية قدرة الطفل على استخدام المعلومات للتفكير في حل مشكلاته وفى اتخاذ قراراته وإخراج منتج فكرى جديد.
واقرأ هنا: الطرق الصحيحة لتربية الأطفال بالتفصيل
فاقد الشيء لا يعطيه
وسنتناول بعض المهارات التي يمكن التدرب عليها وتدريب الطفل عليها وأعتقد أننا نحتاج إليها كآباء حتى نستطيع أن نزرعها عند أبنائنا.
أولا: النظر إلى السلبيات والايجابيات: اعتدنا في حياتنا أن تكون دائما نظرتنا إلى الأمور أحادية.. إما صح أو غلط ..إما كويس أو وحش، وليس ذلك مقتصر على التصرفات فقط، بل على تقييمنا للأشخاص والمواقف والأحداث والاشياء وكل ما يحيط بنا، وننقل هذا الأمر لأطفالنا بوعي وبغير وعى.
إن هذه النظرة الأحادية للأمور تجعل الإنسان متصلب يتعصب لآرائه، فطالما أن ما يراه خطأ فهو بالتأكيد خطأ، كما تجعله يفتقد المرونة اللازمة فى مواجهة أحداث حياته المتقلبة، فالله ﷻ ارشدنا إلى النظر إلى الأحداث بنظرة مختلفة {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فلكل مصيبة ايجابيات ولكل فرحة سلبيات.
كذلك النظرة للاشخاص فلا احد من البشر له العصمة، فالكل يصيب ويخطئ وكل إنسان له صفات ايجابية وأخري سلبية وكل ابن آدم خطاء.
والتقييم الموضوعي للإنسان يعتمد على حجم سلبياته وايجابياته، فليس هناك شيطان وملاك.
لابد أن نعلم جيداً أننا نخطئ عندما نعلم أطفالنا ان زميلك هذا يكذب فهو (ولد وحش ابعد عنه)، والآخر (يشتم ابعد عنه)، وثالث (يضرب اجتنبه)، بل الأفضل أن تقول له أن هذا الطفل ايجابياته كذا وكذا وسلبياته كذا وكذا، فإن أردت مصاحبته فاحذر من صفاته السلبية، وتكون بذلك قد منحت طفلك القدرة على التعامل مع الجميع بسلبياتهم وساعدته على تمييز الخطأ واجتنابه، وكذلك القدرة على تقييم الأفراد وبالتالي تقييم نفسه بشكل موضوعي.
كذلك فنحن نخطئ عندما تختار البنت فستانا ثم نقول لها: (الفستان دا وحش)، والأفضل أن نسألها ما الذي أعجبها في الفستان؟ وأقريها عليه ثم وضحى لها عيوبه التى تريها ثم اتركى لها حرية اتخاذ القرار.
ولا تنسي عند تقييمك للأحداث والأخبار العامة أمام طفلك، فحتي إن بدا الحدث سيئا، تعود أنت أولا ثم عود ابنك على رؤية الايجابيات.
عندما يسالنى ابنائى عن تقييمى للأحداث المتلاحقة بعد الثورة، أحاول أن أستمع إلي رأيهم أولا، فإن كان ايجابي أريهم الجانب السلبي، وإن كان سلبيا أريهم الجانب الايجابي، فهو بذلك يتعلم أن يحترم الرأي الآخر، وأن يرى الأحداث من وجهة نظر الآخرين وبالتالي لا يتعصب لراية ولا يعتبره الحق المطلق.
طالع أيضًأ: هل يعتبر ضرب الأطفال وسيلة صحيحة للتربية؟
كالنقش على الحجر
ثانيا: القدرة على تحديد الأهداف:
عندما نذكر كلمة أهداف دائما ما نتخيل الهدف المستقبلي سواء كان وظيفي أو اجتماعي أو مالي، ولكن الطفل لن يتعلم أن يرسم ويحدد مستقبله شابا، إلا إذا تعلم كيف يضع أهداف صغيرة وبسيطة مناسبة لسنه.
وتحديد الاهداف فى سنين حياة الطفل الاولى هي رد على تساؤل لماذا (ليه)؟ والتي يكثر منها الطفل فى مراحل الطفولة المبكرة ويضج منها الكبار حيث يكون الرد غالبا (هو كدة).
لابد ان يتعلم الطفل الهدف والمغزى من الأحداث والمواقف، ولماذا يطلب منه أشياء معينة ولماذا نرفض منه تصرفات معينة؟
ومن الافضل عندما نفاجأ بسؤال مثل هذا لا نعلم إجابته أن نقول: لا اعلم أفضل من قول: (هو كدة).
وعادة ما تتراوح أسئلة الأطفال من أسئلة عن آداب وسلوكيات فأنت بإجابتك تغرز فى نفس الطفل قيمة ومبدأ.. على سبيل المثال: لماذا لا أقفز على الكراسي؟ لماذا لا أكتب على الحائط؟ لماذا لا أقطع الورد؟
فعندما تحدد للطفل الهدف (كي نحافظ على جمال بيتنا)، فستنمو عند الطفل القيمة والمبدأ، ويبدأ في استخدامه في مواقف مشابهة.
وقد تكون الاسئلة عن أحداث قدرية لا دخل لنا بها وليس لها سبب كالمرض أو الموت، فالإجابة عليها تكون بأنها إرادة الله لأنه يريد لنا الخير، وبمحاولة البحث عن الحكمة والخير في هذا الشر.
وقد تكون الأسئلة عن الأشياء والمخلوقات، وتكون الإجابة معرفية، مع التركيز على حكمة الله ﷻ في خلق الأشياء (أنا كل شئ خلقناه بقدر)، وبذلك يتعلم أن كل ما يجرى في هذا الكون له هدف وله غاية وله سبب.
وعندما ينمو الطفل لابد من تعليمه وضع أهداف قصيرة الأجل قبل أي عمل.. على سبيل المثال:
- ناوي تجيب كام في امتحان الغد؟
- ناوي تجيب كام هدف في المباراة اليوم؟
- ناوي تعمل إيه يوم الأجازة؟
بحيث يتعود الطفل على وضع أهداف مع تشجيعه وتحفيزه وإثابته إذا أنجز ما نوى عليه، وإعلامه أن هذه مهارة ممتازة لابد أن يمارسها دوما في حياته
وبالتدريج تصبح الأهداف القصيرة الأمد طويلة نسبياً
- هل تنوى الحصول على المركز الأول؟
- ما هى أهدافك من لعبة الجودو؟
- ماذا تريد من ذهابك فئ هذه الرحلة؟
حتى يستطيع أن يصل مرحلة التعليم الثانوي وهو قادر على تحديد التخصص التخصص الذي يريده، والمجموع الذي سيؤهله لهذا التخصص.
نحتاج أن نعلم أبناءنا الكثير وقد نتعلم معهم ولا حرج في ذلك… نسأل الله أن يقر أعيننا بأبناء وشباب يحمل راية بلدنا الى طريق التقدم.
بقلم: د. دعاء راجح
وأعتقد أنه بحاجة للاطلاع على: قواعد هامة لتربية الأطفال بشكل أفضل