سنتحدث في بحث اليوم عن تكاثر النباتات اللاوعائية (Non-vascular plant)؛ وبدايةً؛ فإن النباتات عمومًا -كما تعلمون- تمتاز هذه بقدرتها على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى الأكسجين الذي يحتاجه الإنسان وباقي الكائنات الأخرى، وتنتشر النباتات في كل مكان من حولنا، وهي أقدم بكثير من الحيوانات ويعتقد العلماء أن جميع النباتات التي ترونها حولكم قد تطورت من نوع واحد من الطحالب التي زحفت إلى اليابسة قبل حوالي 1,2 مليار سنة، ومنها الطحلب الذي وصل إلى اليابسة.
تطور النصف مليون نوع من النباتات الموجودة اليوم ولكن بالطبع هذا التطور لم يحدث بين عشيةٍ وضحاها؛ حيث بدأت النباتات الأولى بالتطور قبل حوالي أربعمائة وخمسة وسبعين مليون سنة، وهذه النباتات كائنات بسيطة جدًا لم يكن لديها العديد من الأنواع المختلفة من الأنسجة والسلالات التي انحدرت منها هذه النباتات التي مازالت موجودة في وقتنا الحالي وهي النباتات اللاوعائية؛ مثل (أمثلة على نباتات لا وعائية) النباتات الكبدية والزهقرنية والحزازية فمن الواضح أن هذه النباتات أقل تعقيدًا من النباتات السحلبية مثلًا أو أشجار البلوط وقد يقول البعض أنها كذلك أقل جمالاً، وأنا أتفق مع هذا الرأي، ولكن بحكم خبرتي في علم الأحياء فأنا أدرك أنه في بعض الأحيان تكون الكائنات الأقل تعقيدًا هي الكائنات الأكثر غرابة لأنها تطورت منذ وقت طويل في بيئات تختلف عن البيئة الحالية، مما أجبرها على التطور بطريقتها الخاصة بناءً على قواعدها الخاصة.
وكما رأيتم في درس العتائق والبكتريا والطلائعيات، تتسم كذلك النباتات اللاوعائية ببعض الميزات والسلوكيات التي قد تبدو غريبة بالنسبة لكم، خاصة ما يتعلق بحياتها الجنسية. فمن أهم الأمور التي يجب معرفتها عن النباتات اللاوعائية هي دورتها التكاثرية التي ورثتها عن الطحالب ولكنها أتقنتها إلى حدٍ كبير وأصبحت هذه الدورة موجودة لدى جميع النباتات بطريقة أو بأخرى حتى أنه يمكن ملاحظة أثارًا منها في الأجهزة التناسلية لبعض الكائنات الأخرى.
تكاثر النباتات اللاوعائية
عادة عند الحديث عن النباتات يكون القصد هو الحديث عن النباتات الوعائية التي تمتلك الجذور والسيقان والأوراق. هذه الجذور والسيقان والأوراق هي في الواقع الأنسجة التي تنقل الماء والعناصر الغذائية من جزء لآخر في النبات؛ ونتيجة لوجود هذه الأنسجة يمكن للنباتات الوعائية أن تكون كبيرة في الحجم مثل أشجار السكويا العملاقة.
خصائص النباتات اللاوعائية
لا تمتلك أنسجة وعائية
والسمة الرئيسية التي تُميِّز النباتات اللاوعائية هو أنها لا تمتلك أنسجة وعائية متخصصة لإيصال المواد المختلفة من خلالها، وبما أنها لا تمتلك جذورًا أو سيقانا فهي لا تستطيع الوصول إلى أعماق التربة للحصول على الماء والعناصر الغذائية، بل عليها أن تستقبل الماء مباشرةً عبر جدران خلاياها وتنقله من خليةٍ إلى أخرى بالاعتماد على الخاصية الأسموزية.
إمكانات النمو محدودة
أما بالنسبة لنقل المعادن فهي تعتمد على عملية الانتشار، والسمة الأخرى التي تتشارك بها جميع النباتات اللاوعائية هو أن امكاناتها في النمو محدودة. ويعود ذلك إلى حدٍ كبير إلى عدم امتلاكها للأنسجة التي تمكنها من نقل المواد عبرها، وكذلك لعدم امتلاكها للأنسجة الخشبية التي تمكنها من تحمل كتلة أكبر، مما يعنى أن هذه النباتات تحتاج أن تبقى بسيطة وصغيرة حتى تتمكن من النجاة.
ولصغر حجمها يصعب تمييز هذه النباتات.
تحتاج إلى الماء من أجل التكاثر
وأخيراً تمتاز النباتات اللاوعائية بحاجتها إلى الماء من أجل التكاثر. هذه الميزة تسبب لها مشكلة لأنها تمنع بقائها على قيد الحياة في الأماكن الجافة على عكس الكثير من النباتات الوعائية. سنعود إلى هذه النقطة بعد قليل..
عدا عن ذلك فإن النباتات اللاوعائية هي في الواقع نباتات حقيقية؛ فهي متعددة الخلايا ولديها جدران خلوية مصنوعة من السيليلوز، كما أنها تصنع غذائها بنفسها من خلال عملية البناء الضوئي.
النباتات البريوية
يشار إلى جميع النباتات اللاوعائية بالنباتات البريوية ويصعب تحديد عدد الأنواع التي كانت تنتمي الي هذه المجموعة قديمًا.
ولكن حالياً يمكننا التعرف على ثلاث شعب من النباتات البريوية:
- النباتات الحزازية ضمن شعبة الطحلبيات.
- النباتات الكبدية ضمن شعبة الحزازيات الكبدية.
- النباتات الزهقرنية ضمن شعبة الزهقرانيات.
وضمن جميع هذه الشعب هناك أكثر من أربعة وعشرين ألف نوع من النباتات البريوية، وحوالي خمسة عشر ألف نوع منها هو من النباتات الحزازية، وتسعة آلاف نوع هو من النباتات الكبدية، وحوالي مائة نوع فقط من النباتات الزهقرنية.
قد تبدو أسماء النباتات الزهقرنية والنباتات الكبدية غريبة بعض الشيء ولكن هذه التسميات تشير إلى شكل تراكيبها الورقية؛ فأوراق النباتات الكبدية مثلًا تشبه شكل الكبد أما شكل النباتات الحزازية فهي تشبه شكل الطحالب.
وهناك أنواع يصنفها البعض ضمن النباتات الحزازية ولكنها في الواقع لا تنتمي إليها مثل الطحلب الإسباني الموجود في جنوب الولايات المتحدة وطحلب الرنة الموجود في جبال ألاسكا، وهذه الكائنات هي في الواقع أشنات؛ والأشنات لا تعتبر نباتات من الأساس.
أقدم الأحافير لأجزاء من النباتات تشبه النباتات الكبدية إلى حدٍ كبير، ولكن لا أحد يعرف حقًا أي من هذه النباتات البريوية تطور أولًا وأي منها انحدر من غيره. وكل ما يعرفه العلماء هو أن نباتات شبيهة بالنباتات البريوية هي أول نباتات ظهرت في المستنقعات الأوردوفيشية والآن يمكن الاعتماد على هذه النباتات اللاوعائية القديمة لتكوين فكرة عن طريقة تطور النباتات.
وكما ذكرت فإن أهم ما ساهمت به هذه النباتات إلى المملكة النباتية وكل ما جاء بعدها هي دورتها التكاثرية المعقدة والرائعة.
تعاقب الأجيال
تُجيبك الفقرات أدناه عن سؤال: تتكاثر النباتات اللاوعائية بواسطة/عن طريق..
النباتات الوعائية واللاوعائية منها تمتلك دورة حياة جنسية أكثر تعقيدًا من الحيوانات بكثير. فبالنسبة للحيوانات هذه العملية تتألف من خطوة واحده حيث يتحد مشيج أحادي لكروموسومات من الأم مع مشيج أحادي لكروموسومات من الأب، فتنشأ خلية مزيج من الكروموسومات تحمل المادة الوراثية لكلا الأبوين ثم تبدأ هذه الخلية مزدوجة الكروموسومات بالانقسام مرارًا وتكرارًا حتى يتكون كائن حي جديد، وفي المقابل النباتات، بالإضافة إلى الطحالب، وعدة أنواع من الحيوانات اللافقارية تطورت لديها دورة حياة تتخذ فيها هذه الكائنات شكلين مختلفين على مدار حياتها؛ أحد هذين الشكلين يتسبب بتشكل الشكل الآخر ويسمى هذا النوع من الدورة التكاثرية بتعاقب الأجيال.
وتطورت هذه الدورة في البداية عند الطحالب ومازال العديد منها يتبعها حتى الآن، ولكن الفرق بين الطحالب وهذه النباتات أنه في الطحالب يكون شكل الجيلين متشابهًا إلى حدٍ كبير، أما بالنسبة لنباتات الأرض تختلف الأجيال المتعاقبة جوهريًا عن بعضها البعض.
الجيل المشيجي
وما اقصده بالاختلاف الجوهري هو أن الجيلين المتعقبين لا يتشاركان في نفس الاستراتيجية التكاثرية؛ فأحد الأجيال الذي يسمى الجيل المشيجي يتكاثر جنسياً عن طريق إنتاج الأمشاج -أي البويضات- والحيوانات المنوية. وهي كما تعرفون، الخلايا أحادية الكروموسومات تمتلك نصف عدد الكروموسومات الكلي.
وتشبه الحيوانات المنوية للنباتات اللاوعائية الحيوانات المنوية البشرية، ولكن الفرق هو أنه في النباتات اللاوعائية فهي تمتلك سياطين وليس واحد وشكلها لولبيٌ بعض الشيء.
الجيل البوغي
وعندما تندمج الحيوانات المنوية مع البويضة ينتج عنها الجيل الثاني، الذي يسمى البوغي وهو جيل لا جنسي في الجيل البوغي تكون الخلايا مزوجة بالكروموسومات، مما يعنى أن خلاياه تمتلك مجموعتين من الكروموسومات، كما يمتلك كبسولة صغيره تسمى الكيس البوغي. وهذا الكيس البوغي ينتج خلايا تكاثرية أحاديه الكروموسومات تسمى الأبواغ.
وخلال فترة حياته يبقى الجيل البوغي ملتصقًا بالجيل المشيجي، وذلك لأنه يعتمد عليه للحصول على الماء والعناصر الغذائية، وعندما يبث أبواغه وتبدأ بالإنبات فهي بدورها تنتج الجيل المشجي التالي الذي ينمو وينتج جيلا بوغى آخر، وهكذا قد يبدو الأمر غريباً بعض الشيء أليس كذلك؟
ولكنني أرى أن غرابة هذه الكائنات هو ما يجعلها مثيرة للاهتمام، وتجدر الإشارة إلى أن الأجزاء الخضراء الورقية التي ترونها من النباتات اللاوعائية مثل النباتات الكبدية والزهقرنية والحزازية هي في الواقع الجيل المشيجى.
أما الجيل البوغي فيكون مخبئًا داخل الإناث من هذه النباتات ويكون صغيراً جداً ويصعب رؤيته.
ويكون أفراد الجيل المشيجي إما ذكورًا أو إناثًا ذكورا، وينتج الذكر الحيوانات المنوية من خلال الانقسام المتساوي في جزئين يسمى: الأنثريديا، وهو عضو تذكيري في النباتات اللاوعائية في حين تنتج الإناث البويضات بالانقسام المتساوي أيضًا داخل عضو التأنيث الذي يسمى مولدات البويضات.
قد تتواجد الإناث والذكور من الجيل المشيجي بجانب بعضهم البعض وتكون الحيوانات المنوية والبويضات على استعداد تام للاندماج ولكن لا يتم ذلك دون وجود الماء.
بسبب وجود الماء يتمكن الحيوان المنوي من الوصول إلى الأنثى ثم إلى البويضة حيث يندمج هذان المشيجان لتكوين ذيجوت مزدوج الكروموسومات والذي ينقسم من خلال الانقسام المتساوي وينمو ليكون الجيل البوغي.
ينمو الجيل البوغي داخل الأم ويستمر في النمو حتى يبدأ بالتشقق ويخرج منه ساق طويلة يعلوها يشبه القبعة يسمى القلنسوة. هذا الغطاء الواقي مصنوع من القطعة المتبقية من الأم من الجيل المشيجي، ويتكون أسفل هذه القلنسوة كبسولة مليئة بالآلاف من الأبواغ مزدوجة الكروموسومات، وعند نضوج هذه الكبسولة يسقط غطائها وتصبح الأبواغ مكشوفة للهواء وإذا كانت مستويات الرطوبة عالية بما فيه الكفاية فإن الكبسولة ستسمح للأبواغ بالانطلاق لتكمل دورة حياتها، وفي حاله سقوطها على منطقة غير رطبة فإنها ستموت لعدم حصولها على الماء، أما إذا سقطت على أرض رطبة فستبدأ بالإنبات وينمو عليها شعيرة صغيرة تسمى الخيط الأوّلي.
وينشأ عن ذلك البراعم التي تستمر في النمو لتكوين رقعة من ذلك النبات اللاوعائي أو مستعمرة من الجيل المشيجي أحادي الكروموسومات، وهذا الجيل سيتزاوج وينتج الجيل البوغي وهكذا تستمر هذه الأجيال بالتعاقب.
ولأن النباتات اللاوعائية هي أقل أنواع النباتات تعقيدًا فإن عملية تعاقب الأجيال لديها تكون أيضًا بسيطة جدًا.
أما في حالة النباتات الوعائية فتزداد الأمور تعقيدًا لأنها تمتلك أنواعًا مختلفة من الأنسجة المتخصصة، فعلى سبيل المثال؛ النباتات التي تنتج بذور مكشوفة مثل المخروطية او الجنكة هي من عاريات البذور وتبدأ عند هذه المراتب تصنيفات حبوب اللقاح بالظهور وحبوب اللقاح هي مجرد مشيج ذكري يمكنه أن يتطاير في الهواء.
أما المرتبة الأكثر تطورًا فهي كاسيات البذور أو النباتات المزهرة، وهي المجموعة الأكثر تنوعًا بين مجموعات نباتات الأرض، وهي كذلك الأحدث تطورًا.
والفرق الرئيسي بين عملية تعاقب الأجيال في النباتات الوعائية واللاوعائية يكون الجيل المشيجي هو الجزء الأكثر وضوحًا باعتباره الجزء الرئيسي للنباتات الكبدية والزهقرنية والحزازية، في حين أن الجيل البوغي يكون أقل وضوحًا وأصغر حجمًا ولكن مع زيادة تعقيد النباتات مثل النباتات الوعائية يصبح الجيل البوغي هو السائد ويكون أكثر أهمية ووضوحًا.
فعلى سبيل المثال؛ الزهرة في النباتات كاسيات البذور هي في الواقع الجيل البوغي.
وربما أربكناكم كثيرًا بجميع هذه المعلومات ولكننا سنتعمق أكثر في الموضوع في الدروس القادمة التي تتحدث عن تكاثر النباتات الوعائية.
إن النباتات التي تعيش على اليابسة سواء كان لديها جيل بوغي كبير ولافت للانتباه مثل الزهرة أو كان جيلها المشيجي صغير ورطب مثل النباتات الحزازية؛ جميعها انحدرت من نفس النباتات اللاوعائية القديمة التي نشر حيواناته المنوية على أمل العثور على جيل مشيجي أنثوي قريبٌ منه؛ وهذا أمر مذهل بالفعل.