التقاعد المبكر في كل الأعراف وفي أي مكان في العالم يعد خيارا للموظف، لكن لم يسبق أن نظر إليه أحد على أنه عقوبة لموظف ثبت فساده، ومع ذلك أصبح التقاعد المبكر فعليا عقوبة للموظف الفاسد لدينا!.
هذه حقيقة وليست دعابة أسوقها للقارئ للترفيه عنه، فقد نشرت الصحف المحلية تورط موظفين في إحدى المناطق أقدموا على التلاعب بمخطط سكني معد للمنح، وقاموا بتوزيع هذه المنح السكنية على أشخاص لا يستحقونها، وجمعوا من خلال ذلك مبالغ مالية، وأن لجنة وزارية تابعت الموضوع وحققت فيه، وأنها أثبتت التلاعب على المتورطين فيه، ومع كل ذلك كانت العقوبة بأن ينقل الموظفون إلى وظائف غير قيادية لمدة شهرين هي فترة إحالتهم إلى التقاعد المبكر.
هذه الحادثة الجديدة التي حولت التقاعد المبكر إلى عقوبة حفلت بمفارقة جديدة، هي محاولة إرساء تقليد عصري ومبتكر يتمثل في أن تأخذ الجهات الحكومية محاسبة موظفيها المتورطين في فساد، فتقرر بعض الجهات أن خطأ زملاء العمل والأصدقاء يحتاج إلى عقوبة، وأن العقوبة المناسبة هي التقاعد المبكر، حفظا للأيام الخوالي، فالمتورط زميل وصديق.
هذا التقليد ينسف فكرة المحاسبة من جذرها، لتكون المحاسبة خاصة ومطاطة تتسع لفاسد، لكن ليس بالضرورة أن تتسع لآخر، وهنا على الجهات الرقابية في البلاد وفقا لهذا التوجه أن تقف متفرجة، كما أنها نسف للقضاء الإداري والشرعي في البلاد، فهو الجهة المخولة بإصدار العقوبات استنادا لأحكام شرعية، أو للوائح وأنظمة.
ومن المسائل المهمة التي يجب الانتباه لها أن ترك معاقبة من يثبت تورطه، والاكتفاء بالتقاعد المبكر مثلما يحدث في هذه الحالة سيعزز من التعدي على النظام العام، كما أنه يقود البعض إلى التفكير أن بإمكانه ممارسة ما يريد، حتى يصل به الأمر إلى تحديد العقوبات نيابة عن القضاء، وقد يتصور أنه ينوب عن الجهات الرسمية في ممارسة صلاحياتها في مجال المحاسبة والتدقيق وإيقاع العقوبات.
بقلم: منيف الصفوقي