لا شك أن علاقتنا بأهلنا تغيرت مع الوقت وحسب المراحل العمرية؛ فكل مرحلة عمرية لها خصائصها في التربية؛ فمرحلة الطفولة مثلاً تكون معاملات الأهل جيدة في أغلب الأحيان، وكلما تقدمنا بالعمر كلما صارت العلاقة أقرب للصداقة بين الأهل والأبناء كما يرى البعض، والبعض الآخر قد يكون مدللاً في الطفولة ويستمر على نفس النمط حتى عندما يصبح كبيراً نوعاً ما، كما أن هناك نوعاً آخر والذي يصبح حراً بدرجة كبيرة قد تصل إلى الاستقلال التام عن الأهل عند الكبر.
أهمية الترابط مع الأهل مع التغيرات العمرية المختلفة
تقول المدربة في مجال العلاقات الاجتماعية “أماني جوزع”: أن هناك علاقات نحن مجبورون عليها في هذه الحياة حتى مع التوسع الدائم في دوائر علاقاتنا، ومهما كان الشخص مفضلاً للحياة المستقلة، فهو بالنهاية لن يستطيع أن ينفصل تماماً عن الأهل خاصة.
وكل مرحلة عمرية نمر بها تتغير معها طبيعة العلاقة بيننا وبين الأهل؛ فمثلاً مرحلة الرضاعة يكون الطفل ملتصقاً بوالدته معظم الوقت بالرغم من عدم القدرة على الحوار ولكن يكون هناك لغة تواصل مختلفة، وفي مرحلة الطفولة كذلك يكون الطفل قريباً جداً من الأهل والأم خاصة فلا يستطيع أن يظل بعيداً عنها لفترة طويلة، لكن كلما تقدم الإنسان في العمر كلما أصبح مفضلاً للانفصال بشكل أكبر؛ فيفضل في مرحلة معينة أن يعتمد على نفسه، وإذا قوبل ذلك بالرفض من قبل الأهل فتبدأ هنا الصراعات والنزاعات بين الأهل والأبن، ويزيد هذا الاستقلال بشكل كبير في سن المراهقة، الذي يبدأ فيه الإنسان بتحديد ملامح شخصيته وهويته أيضاً، وهنالك الكثير من الأهل في هذه المرحلة غالباً ما يبدأن في قولبة الأبن فيما يروه الأفضل من وجهة نظرهم.
ونظراً للتغيرات التي تحدث في كل مرحلة عمرية مختلفة، فإن الأهل والمدرسة لهم دوراً هاماً في توصيل الصورة الصحية للعلاقات العاطفية والاجتماعية بدءًا من الطفولة؛ فمثلاً إذا كان الطفل يرى والدة يحتضنه ويحتويه فإنه يكون صورة ذهنية عن تلك العلاقة الصحية بين الأب وأبنه، وكذلك في توصيل الصورة الصحية السليمة للعلاقة بين الزوج والزوجة؛ فأيضاً إن كان الزوج يحترم زوجته أمام طفلهم فذلك يجعله مؤدياً لنفس النمط من العلاقة عند الزواج، وهكذا العلاقات مع الجيران أو غيرهم، فالأهل في النهاية هم القدوة والنموذج الذي يحتذى به.
العلاقة بين الأهل والأبناء بعد زواج الأبناء
تؤكد “جوزع” أن الدراسات لم تثبت ذلك بعد، ولكن يقال أن الأنثى تصبح مدركة بدرجة كبيرة للدور الذي أدته والدتها مما يجعلها مقدرة جداً لدور أمها في حياتها، وكذلك الرجل يبدأ في تحديد مسؤولياته بشكل واقعي أكثر؛ فنحن بالنهاية عندما نبني عائلة نصبح بدرجة كبيرة نشبه العائلات المحيطة بنا، أو قد نتفرد بطريقتنا فنبدأ في تجنب الأساليب الخاطئة التي قد استخدمها الأهل معنا.
ومهما كانت التجمعات العائلية مرهقة لنا بعض الشيء، فنحن نظل نشتاق لتلك التجمعات من وقت لآخر خاصة بالمناسبات، ولا نستطيع أبداً أن تتخلى عن أهلنا بشكل كامل؛ فكما ننتمي لوطننا فنحن نعتبر في النهاية منتمون إلى أهلنا.
هل يمكن أن تختلف العلاقة بين الأهل والابناء من أبن لآخر بالرغم من اتباع نفس الأساليب التربوية؟
توضح “أماني” أن هناك اختلافات فردية كبيرة بين الأبناء، فكل طفل له شخصية مختلفة عن الآخر، وكذلك كل منهم له تجارب مختلفة؛ فقد يشارك طفل مثلاً بالمدرسة ومن ثم شكرته المعلمة مما جعله متقبلاً لذاته بدرجة كبيرة، ولكن أخوه عندما شارك في مدرسته بأي شكل من الأشكال ولكن كان رد فعل المعلمة مضايقاً له نوعاً ما مما جعله يحمل صورة غير لطيفة عن ذاته، وإذا عاد الطفلان إلى منزلهم فيكون نشاط كلاً منهما مختلفاً؛ فالأول الذي أصبح متحمساً أكثر نتيجة تحفيز معلمته له، أما الآخر فسيكون له رد فعل آخر، فقد يقرر ألا يذهب للمدرسة مرة أخرى أو قد يفكر في عمل أشياء تزيد من غضب معلمته وهكذا.
ويجب ألا ننسى أن الأهل أحياناً ما يوجهون للأبناء مقارنات قد تتسبب في أذيتهم، مثل أخوك أفضل منك أو أكثر تميزاً عنك وغيرها.