شهر رمضان هو شهر الصوم، بتعبير موجزٌ مختصر، والصوم معناه: أن يمسك الإنسان المسلم عن كل ما يفطره، وكل ما حرمه الله، فالصوم معناه الإمساك عن الطعام والشراب، والإمساك عن المعاصي كافة، كبيرها وصغيرها، وفي التمسك بالصوم فضائل كثيرة متعددة لا يمكن حصرها، في الدنيا، اجتماعيًا ونفسيًا وبدنيًا، وفي الآخرة، والآخرة دائمًا يجب أن تكون غاية المسلم الكبرى، ولا ينازعه في نيل جنة الآخرة أي غاية بعدها.
فُرض شهر رمضان على المسلمين في المدينة المنورة بعد هجرة النبي “صلى الله عليه وسلم”، لما فيه من الفضائل والخيرات الكثيرة، ونظرًا لأن الأحكام التشريعية جلها تنزلت على المسلمين بعد هجرة النبي “صلى الله عليه وسلم” إلى المدينة، فإن الصيام في شهر رمضان كان واحدًا من تلك الأحكام، والله لا يحكم بشيء إلا وفيه خير وحكمة، ورزق كبير، وشهر رمضان خاصةً، رزقه واسع، وبركته وافرة، وخيره كثير.
لماذا سمي شهر رمضان بهذا الاسم
قيل في الإجابة عن هذا السؤال أقوال كثيرة، من العلماء من رأى أن (رمضان) مشتق من الرمض، أي الحر الشديد، وذلك لأن شهر رمضان في العادة يرتبط مجيئه في الحر الشديد، أي في الصيف.
- فريق منهم من رأى أن (رمضان) مشتق من (الرمض) أي الاحتراق، لأن الذنوب فيه تحترق بالأعمال الصالحة.
- ومنهم من رأى أن (رمضان) مشتق من (الرميض)، بمعنى السحاب والمطر في آخر الصيف وبداية الخريف، ومعناه أن الذنوب تُغتسل بالأعمال الصالحة.
- وفريق آخر رأى أن (رمضان) سمي بهذا الاسم نظرًا لوجوده في وقت كان المسلمون فيه يرمضون أسلحتهم، أي يجهزونها ويعدونها، استعدادًا للغزوات وملاقاة الكفار.
كلها أمور اختلف فيها العلماء، لكنها، وإن تناقضت، إلا أنها تدل على مدى خيرية هذا الشهر، سواء أنه يحرق الذنوب، أو يغسلها، أو بمعنى استعداد المسلمين لنشر الإسلام في بقاع الأرض، فكلها من معاني الخير، والبركة، والرزق المنزل من عند الله على المسلمين في هذا الوقت من العام.
فضائل شهر رمضان
وإذا تأملنا الفضائل التي قالها الله في القرآن الكريم، وأوضحها الرسول في سنته الشريفة، نجد أن شهر رمضان، هو شهر معجزة في حياة المسلمين، لأنه أيام معدودة وسط أيام كثيرة تمر، لكن فيه الكثير من الفضائل التي يقف أمامها العقل حائرًا، خائرًا القوى من مدى رحمة الله على عباده.
أول تلك الفضائل: أن الصيام فيه تمام الإسلام للمرء المسلم، فالإسلام بني على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا، وهذا ما أوضحه الرسول “صلى الله عليه وسلم” وعليه لا يتم إسلام المرء إلا إذا صام رمضان.
ثاني تلك الفضائل: أن في الصيام تكفيرًا للذنوب، فالرسول “صلى الله عليه وسلم” وعد أن من يصوم شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا يغفر الله له ما تقدم من ذنبه، وأن الله له في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، وذلك خير كبير، وغاية ما بعدها غاية يجب أن يعمل في سبيلها المسلم كل ما يتوجب عليه فعله من الطاعة، وأعمال الخير والتقوى.
ثالث تلك الفضائل: أن شهر رمضان يحقق التقوى للمسلم، فالمسلم الذي لا يضيع الأيام المعدودة من شهر رمضان هباءً، ويفنيها في الطاعات الواجبة، والنوافل التي تقرب العبد من الله، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، فإنه بذلك يخرج من شهر رمضان وهو تقي، والتقوى منزلتها كبيرة عند الله “سبحانه وتعالى” رابع تلك الفضائل: أن الصيام في شهر رمضان، يربي المسلم على الأخلاقيات الحميدة، تلك الأخلاقيات تتأتى بالطاعة، والخضوع، والخشوع لله، وعدم الإنشغال عنه، فالطاعة تولد الثقة في النفس، وترقق القلب، وتضفي السعادة والغبطة على القلوب، فيخرج المسلم من شهر رمضان لا يخالط قلبه مثقال ذرة من ذنب كان يدمن عليه قبل رمضان، فلا يكذب، ولا يسب، ولا ينم، ولا يغش، ولا يغتاب، ولا يفعل كل ما هو مشين في نظر الإسلام، وفوق كل ذلك الصيام يعلم الصبر بكل أنواعه، وهو قيمة يشتمل على كل قيم الأخلاق بعده، فالصيام يهذب النفس، ويجعلها صابرة، على طاعة الله، وصابرة على ترك المعصية، وصابرة على قدر الله في مشقة الجوع والعطش.
آخر تلك الفضائل وأعظمها: الجنة، أخبرنا الرسول “صلى الله عليه وسلم” أنه منذ اول يوم في شهر رمضان، تفتح أبواب الجنة، فلا يغلق منها باب، وتغلق أبواب النار، فلا تفتح منها باب، أي أن الطريق إلى الجنة سبيله معبد أمام المسلم، إلى جانب مزية أخرى، أن الشياطين تكون مصفدة، فلا يحول بين العبد وأعماله الصالحة سوى نفسه، فإذا تغلب على نفسه وهواها، وصبر والتزم بالطاعة والعبادة، وعزم الأمر عليها من أول ليلة إلى آخر ليلة، كانت له الجنة إن شاء الله، وكُتب له العتق من النار، وذلك خير الأمور.
تلك هي الفضائل والمزايا التي وهبها الله المسلمين في هذا الشهر، ولكن كيف السبيل إلى تحقيق الغاية الكبرى من هذه الفضائل؟
أولًا: يجب أن يستعد المسلم قبل رمضان جيدًا لخوض تجربة الصيام بجد وعزيمة واجتهاد، بأن يزرع في قلبه مبادئ لا يخرج عنها أبدًا، وأن يلتزم بها في قلبه ولا ينازعها أي شاغل آخر، تلك المبادئ هي: عقد النية الخالصة لوجه الله تعالى بصيام شهر رمضان كاملًا، ساعيًا فيه لبلوغ أعلى المراتب عند الله “سبحانه وتعالى”، وأن يعلم جيدًا أن الصوم، ليس صومًا عن الطعام والشراب فقط، بل صوم عن كل المفطرات، وكل ما يغضب الله “تعالى” من صغير الذنوب أو كبائرها، تلك المبادئ يجب أن يلتزم بها المسلم في قلبه، ولا ينازعه فيها شاغل.
ثانيًا: يبدأ المسلم في وضع خطة محكمة في بداية شهر رمضان، ويجب أن يؤديها ويزيد فيها، ولا يتباطأ أو يتكاسل عنها، فيقيم الصلاة في مواقيتها، ويكون خاشعًا فيها متبتلًا إلى الله بقراءة القرآن والذكر والدعاء إلى الله، والاعتراف بالذنب، وطلب العفو والمغفرة من الله.
وأن يحدد لنفسه وردًا من القرآن في كل يوم حتى يتم ختمة واحدة على الأقل في الشهر، وختمة واحدة بقلب خاشع وجل، وعقل متدبر، خير من ختمتين أو أكثر يتخللها التعجل والغفوة والغفلة. والأفضل أن يقسم ورد اليوم على الصلوات الخمس، فبعد كل صلاة يتلو الأذكار الواجبة بعد الصلاة، ثم يشرع في قراءة جزء من ورد القرآن في اليوم.
وألا ينشغل قلبه عن ذكر الله، بالقلب واللسان، وأن يتحين الأوقات التي يكون فيها الله قريب مجيب الدعوات، ويدعوه ملء قلبه، ويطلب منه العفو والمغفرة، ويقر بذنوبه ويطلب من الله أن يهديه في هذا الشهر الكريم الطريق المستقيم.
والقيمة الأهم التي يجب أن يكتسبها المسلم في هذا الشهر الفضيل، والتي يجب أن يتحلى بها ولا ينقطع عنها حتى يكتمل عزمه في بداية الشهر إلى آخر الشهر، هذه القيمة هي الصبر، فالمسلم إذا تحلى بالصبر على نفسه، واعتزم الطاعة في كل يوم دون أن يكل أو يمل أو يغالبه كسل، فإنه سيخرج من الشهر هانئًا راضيًا، وينال فضل الله وجنته إن شاء الله.