عدَّد الطلبة والطالبات طلبهم لهذا الموضوع؛ فكان ما ينشدونه: موضوع تعبير عن بر الوالدين كامل ومحتويًا على مقدمة، ثم عناصر، ثم خاتمة. وها نحنُ نوفِّر لهؤلاء الأبناء والبنات الأعِزَّاء موضوعًا حصريًا لهذا الطَّلَب. ليس كغيره من الموضوعات والمقالات الإنشائيَّة التي تم تداولها كثيرًا فأصبحت مكررة ومُستهلَكة كثيرًا، وتم الاستعانة بها مئات والآف -بل ولا نبالِغ أن قُلنا- وملايين المرَّات.
مقدمة
عندما نتأمَّل في آية سورة الإسراء التي أرشدنا فيه الله -سبحانه- إلى الإحسان لوالدينا؛ حيث يقول -عزَّ من قائِل- ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾. نجد أن الله -عزَّ وجَل- قدَّم حقه -سبحانه-؛ لأن حق الله لا يتقدم عليه حق ابدا، فهو أول الحقوق وأعظمها، لأنه هو حق الله رب العالمين. ثم بعد ذلك ذَكَر -جل شأنه- أعظم الحقوق على الإطلاق، بعد حقه وحق نبيه، وهو حق الوالدين.
وهو حقٌ غائِبٌ وضائِعٌ عند كثير من المسلمين إلا من رحم الله رب العالمين.
حق الوالدين من أعظم الحقوق، ومن أوجب الواجبات، ومن أهم المهمات، وهو سبيل لرفعة الدرجات، وهو طريق لمحو الخطايا والسيئات، وهو سبب من أسباب تفريج الكربات.
قواعد بر الوالدين
سنسرِد لكم أدناه ٤ عناصر، بمثابة قواعِد في بِر الإنسان بوالديه. هذه القواعد الأربع التي استخلصتها من كلام كلام العلماء، وفيما ورد من آيات وأحاديث في بر الوالدين. هذه القواعد ينبغي على الإنسان أن يكون مستحضرًا لها على الدوام، في كل وقتٍ وحين. حتى يقوم بهذا الواجب العظيم الذي الله -تعالى- علينا أجمعين.
بر والديك حتى ولو كانا كافرين
هذه هي القاعِدة الأولى؛ فينبغي عليك أن تعي أن بر الوالدين لا يكون لأهل الصلاح فقط، ولا لأهل التُقى والإيمان، ولا لأهل الدين والإحسان. لو كان كافرا، لو كان فاجرا، لو كان عاصيا، لو فعل جميع الذنوب والمعاصي. يجب عليك أن تكون طائعا له.
ما يفعله من الخطايا والسيئات ليس بسببٍ وليس بمانِعٍ لك من عدم بِرك به. يفعل ما يشاء. إثمه ووزره على نفسه. وأنت تفعل ما أمرك -تعالى- به.
واقرأ هنا آية قرآنية عن بر الوالدين في سورة لقمان؛ ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾. إنما الطاعة في المعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ومع ذلك قال -تعالى- ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾. يعني: عليك بالإحسان إليهما، وعليك ببرهما، وعليك بالسمع والطاعة لهما. ما لم يأمراك بمعصية. وعليك بالإنفاق عليهما حتى ولو كانا على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
مهما كنت بارًّا فلن توفي ذرة من حقهما عليك
نعم؛ هي القاعدة الثانية. فمهما فعلت لوالديك، ومهما أحسنت إليهما، ومهما كنت بارًا بهما؛ فإنك لن توفّي ذرة من حقهما عليك. لأن هناك بعض الأبناء يقول: فعلت لهما وفعلت، وصنعت لهما وصنعت. ماذا يريدان مني بعد ذلك؟
مهما فعلت. لو كنت لهما خادما، لو كنت لهما عبدا ذليلا، لو كنت لهما طائِعا على الدوام، لو كنت منفقا إنفاقا عظيما؛ لن ذرة من حقهما عليك.
إعلم هذا جيدا وانتبه إليه. فإن ابن عمر -رضي الله عنه- وكان حاجا لبيت الله الحرام. مرَّ عليه رجل، وقد طاف بأمه سبعة أشواط، ووضعها على كتفيه. فقال: يا ابن عمر، أتراني وفيت أمي حقها؟ أتراني رددت الدَّين الذي لها على؟ فقال عمر: لا، ولا بطلقةٍ من طلقاتها ساعة الولادة.
مهما تفعل، لن توفي قدرا يسيرا هينًا من حقها عليك. فاعلم هذا. مهما فعلت، مهما بذلت، مهما تأدَّبت، مهما أطعت، مهما أنفقت، مهما قدَّمت. مهما تفعل؛ لن توفي قدرا يسيرا من حق والديك عليك.
أنت ومالك لأبيك
وهذه قاعتنا الثالثة؛ فاعلمي أيتها الابنة، وأيها الابن أنك أنت ومالك لأبيك. لما جاء الرجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. يشكو أباه إلى رسول الله. قال يا رسول الله: إن لي أولادا ومالا. يعني: عندي أولاد، وأنا أعمل واجتهد وأُحَصِّل مالا؛ وأبي يريد أن يجتاح مالي. يعني: يريد أن يذهب بكل مالي، ولا يُبقي لي شيئا.
فقال اذهب إليه ونادي عليه.
فلما جاء الرجل بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «يا رجل، إن ابنك هذا قد شكاك إليّ. أنك تريد أن تأخذ ماله». قال: يا رسول سله، هل أنفق هذا المال إلا على نفسي؟ وإلا على أمه؟ وإلا على أخواته؟ وإلا على إخوانه؟ وإلا على عماته؟ وإلا على خالاته؟
فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتف الشاب. وقال «أيها الشاب، أنت ومالك لأبيك. أنت ومالك لأبيك أنت وما لأبيك». ثلاثا قالها صلى الله وسلم وبارك عليه.
طاعة الوالدين ليست فيما تحبه وتهواه فقط
القاعدة الرابعة أن تعلم أيها الابن أن طاعة الوالدين ليست فيما تُحِبه وتهواه فقط. يعني إذا أمراك بأمر أنت تحبه، تهواه، تريده. فأنت تُسارِع في التنفيذ.
ليست الطاعة فيما تحبه وتهواه. إنما الطاعة حقا، وإنما البِر صِدقا؛ حتى في الأمور التي تكرهها، حتى في الأمور التي لا تحبها، حتى في الأمور التي لا ترضاها. ما لم يأمراك بمعصية الله رب العالمين.
يعني قد يأمرك الوالد بشيء ليس فيه معصية لا تصاحب ابن فلان مثلا، لأنه يعلم ما عليه من سيئ الأخلاق وذميم الصفات. فينبغي عليك أن تطيع.
أمرك بأمر ألا تلعب مثلا مع فلان أو ألا تلعب الآن. لا تعصي أمره. ينبغي عليك أن تسمع وتطيع؛ حتى في الأمر الذي تكرهه، حتى في الأمر الذي لا تحبه، حتى في الأمر الذي لا ترضاه. هذه هي الطاعة، وهذا هو البر، وهذا هو الإحسان.
وفي حديث شريف عن الوالدين ومدى عِظَم حقهما؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «ولا تعص و الديك، وإن أمراك أن تخلي من أهلك ودنياك فتخل»؛ هذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
خاتمة
الذي وصَّاك ووصانا جميعا على الوالدين هو الله. الذي أمر بالإحسان إليهما هو الله. الذي أمر بأن نتحمَّل الأذى منهما هو الله. الذي أمرنا بالسَّمع والطاعة لهُما هو الله. الذي أمرنا بالإنفاق عليهما هو الله. الذي أمرنا أن نتأدَّب معهما هو الله.
فينبغي علينا أن نُعَظِّم أمر الله. ينبغي علينا أن نُعَظِّم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. حتى ولو خالف ذلك الهوى ﴿وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾. وعَظِّم أمر الله ورسول الله تَسْعَد في الدارين؛ دنيا وآخرة.