منذ أن وضع العدو الصهيوني يديه على بعض بقاع الوطن الغالي والمصريون في سلسلة لا تنتهي من المتاعب والتضحيات والخسائر المالية والبشرية والنفسية، ولو بدأنا بتضحيات مصر منذ نكسة 67 والآثار النفسية المدمرة لأبناء الجيش والشعب لما كفتنا في ذلك مؤلفات ولا استطعنا أن نحصيه في مجلدات فالثمن الذي دفعه المقاتلون والشعب بأسره جد باهظ.
وهنا أردنا أن نتوقف قليلا عند تلك التضحيات ونحاول أن نسلط الضوء عليها ونقترب منها لنذكر أنفسنا ونعرف الأجيال الناشئة أن ثمن الحرية لم يكن هينا، وأن ما وصلت إليه مصر كانت ضريبته كبيرة جدًا.
ضحايا الهزيمة 67
كان العدو الصهيوني الغاشم قد قرر استئناف هجماته الضارية وصفعاته التي لا يكف عن توجيهها للدول العربية، في ثالث محطة من محطات الغدر والجور والاعتداء الاسرائيلي ضد العرب، فقرر شن حربه على مصر وسوريا والأردن في حرب يعرفها المصريون بنكسة 67 ويعرفها الاسرائيليون بحرب الستة أيام، والتي حصدت من الضحايا والشهداء وسببت من الخسائر ما لا يمكن تقديره.
أما عن الأراضي المصرية فقد سقط عدد من المناطق تحت طائلة العدو، في فترة لا تتجاوز الستة أيام، وتمكنت اسرائيل من احتلال كل من قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان وفرض سيطرتها عليهم، وقد ترتب على تلك السيطرة تهجير معظم سكان مدن القناة، وعشرات من الفلسطينيين، وعدد كبير من سكن مدينة قنيطرة السورية، فضلًا عن فتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية.
أما عن الأرواح التي حصدتها تلك الحرب فحدث ولا حرج، فقط استشهد عدد يتراوح بين خمسة عشر ألف وخمس وعشرين ألف جندي من البلاد العربية، بما يعني أنه ربما لم يخل بيت من وجود شهيد أو أسير أو جريح ولا يخل قلب عربيي أو مصري من طعنة لا ترحم، بينما لم يسقط من الإسرائيليين غير 800 قتيلا.
وفيما يتعلق بأعداد الجرحى والمصابين فعلى الأرجح كانت النسبة مقاربة لعدد الشهداء مقارنة بالقتلى الإسرائيليين.
وفيما يتعلق بالأسلحة والمعدات الحربية والآلات القتالية المختلفة فقد تم تدمير ما يتراوح بين 70% و 80% من أسلحة وعتاد الدول العربية، مقابل خسائر تقدر فقط بــ 2% من أسلحة اسرائيل وعتادها الذي استخدمته في حربها ضد العرب.
ظلت نار الهزيمة وأوجاعها تتأجج في قلب كل مصري وسوري وأردني، بل في كل قلب عربي أصيل عدة أعوام، حتى حان الثأر، لترد مصر الصفعة لعدوها وتكبده من الخسائر ما يترك له وجعًا لا ينمحي، وتثأر لشهدائها وشهداء أشقائها من العرب، فكانت سلسة معارك الاستنزاف والتي أطلقت عليها اسرائيل معركة الألف يوم، والتي كبدت اسرائيل الكثير من الخسائر والضحايا، وكأن مصر أرادت أن تهيء اسرائيل للصفعة الكبرى والثأر الأقوى والعار الأبدي الذي ينتظرها والهزيمة النكراء التي يخفيها لها القدر في حرب السادس من أكتوبر، ولكن حتى مع رفع رايات النصر ظلت مصر تدفع الثمن، والذي كان عددًا كبيراً من الشهداء لا يستهان به، وعددا من الأبطال الذين لا يجب أن ننساهم حتى نلقاهم، عدد من الأسر التي ذاقت اليتم ولوعة الفقد وأسر الأحزان ليتمتع العالم العربي بالحرية والسيادة.
ضحايا النصر
لقد قدرت خسائر مصر في حرب أكتوبر على الصعيد البشري باستشهاد حوالي 8528 نفساً من العسكريين والمدنيين، وما يقدر بـ18 ألف و549 جريحًا ومصابًا، ولو قدرت تلك الأعداد بمقدار الآلام النفسية والجروح والوجع الذي أورثته للمصريين في ربوع مصر لما حدتها حدود ولا أحصتها أرقام.
أما على مستوى الآلات والمعدات والأسلحة فقد خسرت مصر 500 دبابة، وما يقرب من 120 طائرة مروحية، بإضافة إلى 15 مروحية.