يحكى كثيرًا من أكثر من طريق –كما يقول المحدثون– أن أناسا متدينين يقولون: نتمنى لو تزوجنا من البوسنة والهرسك. فسئلوا: ولم؟ قالوا: لأجل معاناة هذا الشعب المسلم. فيقال لهم: ولكن هناك بلاد قد تمر بمحن أكثر، كبعض الدول الإفريقية مثلا، فلماذا لا تتزوجون منها؟
وفي الزواج بالوساطة –خاصة عند المتدينين– يشيع تحبيب بعض الشباب أن يتزوج بغير جميلة، ما دامت متدينة، بل يكاد يكون هناك ضغط في الخطاب على الملتزم من ألا ينظر إلى هذه الزاوية أو يتحاشاها، وقد ينجم عن قبول بعض الزيجات تحت الضغط الديني أن تكون هناك مصائب بعد الزواج ربما أدت إلى الانفصال.
مفهوم الجمال
وأحب أن أقرر أن الزواج بالمرأة الجميلة أمر محمود شرعا، بل مستحب، ودليله حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
ومن العجيب أن يعلق الإمام ابن حجر على هذا الحديث، وتحديدا على قوله صلى الله عليه وسلم «ولجمالها»، فيقول: “يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة غير الدينة وغير الجميلة الدينة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق”. فتح الباري، ج14/330.
وربما أجد تفسيرا للجمال الذي تنكح له المرأة، وهو ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «إذا أراد أحدكم أن يتزوج المرأة فلينظر إليها قبل أن يتزوجها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينهما». أخرجه ابن ماجه.
ويحكي المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه– فيقول: خطبت امرأة، فقال لى النبي عليه السلام: «هل نظرت إليها؟» قلت: لا، قال: «فانظر؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما». رواه الترمذي وابن ماجه.
فأدنى الجمال أن ينظر الإنسان إلى المرأة فيستريح للنظر إليها، والنظر يشمل الوجه، كما يشمل المنظر العام، وهو حق للرجل والمرأة على السواء، يعني أن تنظر المرأة وأن ينظر الرجل، بل جاء في حديث آخر مفسر للجمال: «إن نظر إليها سرته»، فحين ينشرح الصدر للنظر فهذا دليل جمال المرأة في عين الرجل، وحين تنظر المرأة للرجل فينشرح صدرها فهذا دليل جمال الرجل في عين المرأة.
ويقصر البعض الجمال على البياض، وهذا غير صحيح؛ فقد تكون المرأة (قمحاوية) أو (سمراء)، لكن يشعر المرء فيها بجمال طبيعي، وليس من الحكمة أن يحصر الجمال على لون البشرة، بل هي تركيبة واحدة، ليس فقط الوجه والشكل، بل التكوين النفسي والروحي.
ومن رحمة الله أن الجمال شيء نسبي، فمن تكون جميلة في عين رجل قد لا تكون جميلة في عين الآخر، ومن يكون جميلا في عين امرأة قد يكون دميمًا في عين أخرى، وهناك من النساء والرجال ما يُتفق على جمالهم، بالإضافة أن الإسلام لم يجعل الجمال هو مقياس الزواج الأوحد؛ فهناك عوامل متعددة، والحديث حين ذكر الأمور الأربعة لم يحصر أن المرأة تنكح للمال والجمال والنسب والدين فحسب، بل هناك أشياء أخرى.
وفي ظني أن إعلاء قيمة الحرية في الاختيار شيء مهم، وأن يدرك الإنسان حاجته، فالناس مختلفون، فمنهم من يصلح معه الشكر، ومنهم من يصلح معه الصبر، والناس فيما تعشق مذاهب، فلا نضيق ما وسع الله، ولا نحرم ما أحل الله، وليس من الحكمة أن يبني الإنسان اختياره لشريكة حياته لأجل كلمات يسمعها من شخص ولو كان عزيزا عليه، فاختاروا من تشاءون للزواج، واعلموا أن الجمال نعمة وليس نقمة، وأنه محمود وليس مذموما لذاته، لكنه قد يكون نقمة إن كان بلا دين أو خلق أو وازع من ضمير.
بقلم: د. مسعود صبري
⇐ وهنا المزيد في المقترحات: