فإن خير الآداب ما علمها لنا ديننا الحنيف، وخير الأخلاق ما دلنا عليها ورسخها فينا نبينا محمد “صلى الله عليه وسلم” ففي هديه السلامة من الفتن والذنوب، ما ظهر منها وما بطن، وفيه تحصيل الأجر وصيانة القلب عن تحمل تبعات هو في غنى عنها، ومن هدي النبي “صلى الله عليه وسلم”، وسنته ترك الفضول وعدم التدخل فيما لا مصلحة له فيه.
واعلم أخي القارئ أن ترك الفضول من كل شيء خلق محمدي راقِ جداً، يعكس رقي الدين ونبل تعاليمه وروعة غاياته ومقاصده، لذا سوف نجعل حديثنا في هذا الموضوع حول عادة أو إن شئت سمها سلوكًا أو خلقًا ذميمًا يتخلق به البعض وهو لا يعرف أنه مثار ذم وكراهة من ديننا الحنيف، وهذا السلوك هو اتيان الفضول من القول أو الفعل أو النظر وكلها أمور غير مستحبة في ديننا.
معنى الفضول ومفهومه
كلمة الفضل مشتقة من فَضُل، أي زاد، والفضول يشمل كل قدر زاد عن الحد المطلوب، ففضول القول هو الكلام فيما لا حاجة للكلام فيه، ولا مصلحة منه، ولا خير يحصل من الخوض فيه، وفضول الفعل كذلك وفضول النظر، هو إطلاقه وتتبع ما لا يحصل من تتبعه خيرٌ أو يترتب عليه منفعةٌ.
وفضول القول من الأمور المكروهة عندنا، وقديما قالو: (فضول النظر من فضول الخواطر، وفضول النظر تدعو إلى فضول القول، وفضول القول تدعو إلى فضول العمل، ومن تعوّد فضول الكلام ثم تدارك استصلاح لسانه، خرج إلى استكراه القول، وإن أبطأ أخرجه إبطاؤه إلى أقبح من الفضول).
دع الملك للمالك ولا تتكلم فيما لا يعنيك
إن ديننا يدعوا إل الحكمة والاقتصاد في كل شيء، وينبه إلى خطر الكلمة والحديث المرسل الذي قد يجر صاحبه إلى قول ما لا يرضى الله عنه، ومن ثم فإن هناك أثار تدع إلى حث المسلم على الانشغال بنفسه واصلاحها عن التدخل فيما لا يعنيه، أو السؤال عما لا يخصه، بل إن الكراهة تطول كل كلام أو نظر أو فضول لا يحصل منه منفعة في الدين أو الدنيا.
ومن الأثار التي حثت على ترك فضول الكلام والزهد فيه قول الله عز جل في سورة النساء: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)، وهنا بيان لما ينبغي أن يدر حوله حديث الناس، فليتحدثوا في علم نافع أو معرفة تترك أثرا طيبا، أو سعي في إصلاح أو أمر بخير.
كذلك بينت لنا السنة النبوية المطهرة أن من علامات حسن الإسلام وتمامه، ترك المسلم ما لا يخصه ولا يعنيه من قريب ولا بعيد، ومما دل على هذا المعنى قول النبي “صلى الله عليه وسلم”: (مِن حُسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه).
هنا تقرأ أيضًا: أعطوا الطريق حقه
آفات فضول النظر أو القول أو العمل
فضول النظر يفضي إلى الحديث فيما لا جدوى منه ولا خير فيه، وكل ذلك يأخذ من طاقة المسلم ووقته ما هو أحوج إلى استثماره فيما عليه من التكاليف، والتزود مما ينفعه في دينه أو دنياه، ومن ثم فإن إطلاق النظر إلى ما لا يعنيه أو السؤال عما لا يخصه أو لا يغني عنه شيئا مفسدة في دينه ودنياه، ومجلبة للضرر، وذلك من عدة وجوه، أهمها ما يلي:
- إهدار الوقت وشغله بما لا طائل من ورائه، والأولى انفاقه في الطاعة والتزود من الخيرات.
- لا تقف مفسدة الفضول وتدخل المرء فيما لا يعنيه عند مرحلة إهدار الوقت والجهد فقط، بل تجره للكثير من الذنوب والمعاصي، مثل الغيبة أو النميمة، أو توقظ داخله مشاعر الحسد أو الحقد أو غيرها.
- كثرة الكلام وفضول القول مظنة الخطأ الموجب للاعتذار والمؤاخذة من الناس أو من رب الناس، وفي ذلك المعنى يجب أن نذكر أثرا طيباً: (من كثر كلامه كثر سقطه) أي أخطاؤه وزلاته.
وأخيرًا هي دعوة لك عزيزي القارئ امسك عليك لسانك لا تتدخل فيما لا يعنيك، فالعمر أقصر من أن تشغله بشئون الخلق.
ويُمكنك الاطّلاع هنا كذلك، على: معنى فضول الكلام ولماذا يُكره للمسلم