عناصر الخطبة
- مرور الأوقات بسرعة وكيفية الاستفادة منها في طاعة الله.
- تعلَّمنا من رمضان: دروس التقرب إلى الله والدموع من خشية الله.
- استمرار الالتزام بالطاعات بعد رمضان: صلاة الجماعة، تلاوة القرآن، العطاء الخيري، صيام النوافل، قيام الليل.
- التحكم في الانغماس في الشهوات وضبط النَّفس.
- المسلم حريّ به الاستعداد للقاء ربه ﷻ بالاستمرار في الطاعات والتوبة الصادقة.
مقدمة الخطبة
الحمد لله أهل الحمد والثناء، المتفرد بالعظمة والكبرياء، المستحق لصفات الكمال والجلال والعلاء، أحمده -سبحانه- في البأساء والضراء، وأشكره على السراء والنعماء يعلم ما نخفي وما نعلن، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه، واعلموا أنكم ملاقوه، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
الخطبة الأولى
ما أسرع انقضاء الليالي والأيام. بالأمس كنّا نترقبُ هلالَ رمضان. واليوم ودعنا رمضان نسأل الله تعالى أن يقبل منّا الصيام والقيام وسائر الاعمال. وهذه هي الدنيا تمر أيامها مسرعة. فهنيئاً لمن استثمرها في طاعة وسارع إلى مغفرته ولم يلهه التسويف والأمل. يقول الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ سورة آل عمران: 133
لقد علّمنا شهر رمضان البكاء من خشية الله. وأن نذرف الدمع بين يديه. يقول الله تعالى: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ سورة الاسراء: 109.
علمنا رمضان المداومة على صلاة الجماعة. يقول ﷺ: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً» رواه البخاري. ويقول ﷺ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ» رواه أبو داود. علمنا رمضان تلاوة القرآن وعدم هجره حتى لا نكون من الذين قال فيهم ربنا تبارك وتعالى على لسان نبيه: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ سورة الفرقان: 30.
علمنا رمضان كيف نزيد من صلة الأرحام وتفقد الجيران. علمنا رمضان كيف نواظب على قيام الليل وعلى حضور مجالس العلم وحلق الذكر. يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ سورة الاسراء: 79. ويقول ﷺ: «وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم.
علمنا رمضان أننا نستطيع التحكم بشهواتنا ورغباتنا وكيف نضبط أنفسنا. امتثالاً لأمر النبي ﷺ: «إذا كان يومُ صَومِ أحَدِكم فلا يَرفُثْ، ولا يصخَبْ، فإن سابَّهَ أحدٌ، أو قاتَلَه؛ فلْيقُلْ: إنِّي امرؤٌ صائِمٌ» رواه البخاري ومسلم.
يجب على المسلم أن يواظب على هذه الطاعات التي اكتسبها في رمضان فيستمر عليها بعد رمضان، فيخرج من طاعة الى طاعة. وقد قال علماؤنا أن من علامات قبول العمل أن يوفقك الله تعالى إلى عمل آخر.
فليعلم المسلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام. وأنه رب الأزمنة والأماكن كلها، فيستقيم على شرع الله حتى يلقى ربه وهو عنه راض. يقول الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ سورة هود: 112.
فلئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل: كالست من شوال، والاثنين والخميس، والأيام البيض، وعاشوراء، وعرفة وغيرها، يقول ﷺ: «مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ» رواه مسلم. ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة. يقول الله تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ سورة الذاريات: 17. ولئن انتهت صدقة وزكاة الفطر فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة والتطوع كثيرة. وقراءة القرآن وتدبره ليست خاصة برمضان، بل هي في كل وقت وحين. وهكذا سائر الأعمال الصالحة.
إن عبادة الله واجبة في كل وقت وليس لها نهاية إلا بالموت. قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ سورة الحجر: 99.
إن المرء في طريقه إلى الله تعالى تعرض لها أوقات طيبة، فيُكثر من العبادة ويطيبُ قلبُه بها، ثم ما يلبث أن يفتر ويتكاسل شيئًا فشيئًا. فكما يُقال: (دوام الحال من المُحال)، فيتثقل الطاعات ويؤدي ما عليه من فرائض بصعوبة، وقد يتردى حاله فيذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فيترك فرضًا أو يرتكب إثمًا. ثم قد يتداركه الله برحمته فيُنعم عليه بالتوبة فيعود نشيطًا كما كان.
رحل رمضان فهنيئاً لمن زكت فيه نفسه، ورقّ فيه قلبه، وتهذبت فيه أخلاقه، وعظمت فيه للخير رغبته. هنيئاً لمن كان رمضان عنوان توبته، وساعة عودته واستقامته. هنيئاً لمن عفا عنه العفو الكريم، وصفح عنه الغفور الرحيم. هنيئاً لمن أعتقت رقبته، وفك أسره، وفاز بالجنة، وزحزح عن النار.
رحل رمضان وما زالت السنتنا تلهج بالدعاء إلى أهلنا في غزة والضفة وفلسطين أن يفرج الله عنهم وأن يربط على قلوبهم إنه نعم المولى ونعم النصير.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
⇐ وهنا خطبة: المداومة على الطاعة بعد رمضان
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: «أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم» رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
والحمد لله ربّ العالمين..
⇐ هذه أيضًا خطبة: المواظبة على الطاعات بعد شهر الصيام والقيام – مكتوبة