تُعد العلاقة بين الأبناء وآبائهم من أهم العلاقات البشرية، وأكثرها تأثيراً في شخصية الطفل، خصوصاً في مرحلة الطفولة؛ حيث تتغير هذه العلاقة في مرحلة المراهقة، إذ يسعى المراهقون غالباً إلى الاستقلال عن العائلة، واتخاذ القرارات الخاصة دون اللجوء لأحد. مما يزيد من المخاطر التي يمكن التعرض لها، وهنا يأتي دور الآباء في مساعدة أبنائهم في التغلب على التحديات التي يوجهونها. ومن خلال هذا المقال سنتعمق أكثر في كيفية تأثير شخصية الآباء على أبنائهم.
كيف يمكن أن تؤثر شخصية الآباء على الأبناء
تقول الاستشارية في العلاقات الأسرية والسلوك الدكتورة “ناريمان عطية”: أن كلمة شخصية في العموم تعني السلوك، الصفات، العادات، أو السمات والأنماط، وكل هذه الأشياء تتكون من خلال العلاقات الاجتماعية ومن خلال التفاعل.
وتتأثر الشخصية من عدة أمور، منها: العوامل الوراثية، أو من خلال أسلوب التنشئة الأسرية والاجتماعية، وكذلك من خلال الثقافة والبيئة المحيطة.
ويمكن أن تتأثر شخصية الطفل بشخصية الأهل عن طريق:
- الحوار: فمن خلال الحوار بين الطفل والأهل، ومن خلال استماع الأهل للطفل والاهتمام بأسئلته، تتكون شخصية الطفل.
- التقليد والمحاكاة: فالطفل يقوم بتقليد كل شيء تقريباً بداية من عمر ست شهور تقريباً كالأصوات، الكلام، الشخصيات، والتصرفات والسلوكيات أيضاً. مما يجعل الطفل يطابق النموذج الذي يراه باستمرار، سواء كان هذا النموذج الأهل، الجيران، الأقارب. وبالتالي فإن سلبية أو إيجابية الأهل، تنتقل إلى الطفل بجميع أشكالها.
وكذلك فإن الطفل غالباً ما يشبه نمط شخصية الأهل، فيكون مثلاً شخصية مترددة، عنيدة، أو شخصية بسيطة. وغيرها من أنماط الشخصيات التي يمكن أن يكون عليها الطفل ويتأثر بها.
والشخصيات عامة لها أنماط عدة، فقد تكون:
- الشخصية القدوة.
- الشخصية الأنانية.
- الشخصية المتوسطة.
- الشخصية المتحفظة.
أما عن الآباء فهناك أيضاً أنماط لشخصياتهم، منها:
• الشخصية الاستبدادية: وهؤلاء هم الذين يضعون قواعد صارمة، بدون نقاش أو جدال بينهم وبين الأبناء.
ولهذا النمط تأثيره شديد السلبية على الأبناء، والذي قد لا يظهر بوضوح أثناء الصغر، ولكنه يؤدي إلى مشاكل نفسية شديدة عند الكبر، مما قد يجعل الشخص لا يستطيع مواكبة الحياة العملية، أو قد لا يستطيع إتمام حياته الدراسية أيضاً؛ وذلك بسبب شعوره الدائم بالتدني وعدم القدرة على الاستمرار.
فالتربية بهذه الطريقة تفقد الشخص ذكائه العاطفي، فلا يثق بنفسه، ولا يقوى على التعامل مع الأخرين، ولا يقوى على النقاش أو الجدال.
• الآباء المهملون: وهؤلاء هم الذين لا يهتمون بأبنائهم بأي شكل، إما بسبب ضعف معلوماتهم عن التربية، أو أنهم غارقين حتى أذنيهم في مشاكلهم الشخصية، دون إبداء أي مبالاة لتنشئة الطفل.
• الآباء المتساهلون: وهم هؤلاء الذين لا يضعون أي قواعد بالمنزل، ويشعرون دوماً بالتقصير تجاه أبنائهم، أو من فرط ما كانت القواعد في صغرهم تخنقهم. وبالتالي لا يعلمون الفرق بين النظام، والعقوبة، والسلطوية.
• الآباء الحازمون: وهم هؤلاء الآباء الذين يعملون دوماً على إيجاد حالة من التوازن بين الحرية، والقواعد المنظمة والسلوك. يقدمون النصيحة والتوجيه، ويعطون مساحة من الحرية للطفل حتى يسأل ويناقش بكل أريحية.
ويعتبر هذا النمط هو النمط الصحيح المفضل للتربية، والذي يؤدي إلى إنتاج أطفال أسوياء لا يعانون من أي مشاكل نفسية كالقلق، والاكتئاب والتوتر.
أما عن السلوكيات، فهي من أشد الأشياء تأثيراً في الطفل، فمن المعروف كما ذكرنا أن الطفل يقوم بمحاكاة سلوك الأهل، فمثلاً الأب الذي يصطحب طفله كل يوم جمعة إلى الصلاة، مع الوقت يصبح الطفل متعوداً على الذهاب إلى المسجد وحده، وكذلك الأم التي تعلم بنتها من الصغر على النظافة وترتيب المنزل، تصبح الطفلة مع الوقت منظمة ومرتبة، وهكذا.
لذلك فلابد أن يراقب الأهل طريقة تصرفهم وسلوكياتهم أمام الأبناء، والتي تصنع نماذج مماثلة لهم مع الوقت. فالأهل يقومون بتشكيل سلوكيات الطفل من خلال أخلاقهم، وسلوكياتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
وإذا كان الأب لديه مشكلة ما، ولكنه لا يجد صعوبة في تخطيها، وبنفس الوقت لا يريد لأبنه أن يصبح مثله، مثل مشكلة الوزن الزائد مثلاً، فالحل هنا يكمن في الحوار، فيحاور الأب ابنه شارحاً له الأسباب التي قد تكون متعلقة بالهرمونات، الوراثة، أو غيرها من الأسباب. كما قد يطلب منه أن يشجعه ويساعده ويزيد من إرادته لكي يفقد الوزن الزائد عن طريق المشاركة.
ومن الجدير بالذكر فإن هناك نموذجين للأهل في التأثير:
- النموذج الأول: وهو تأثير الأهل على الأبناء من خلال العادات، والتقاليد، والسلوك، وغيرها من الأشياء التي يقوم الطفل بمحاكاتها.
- النموذج الثاني: وهو يضم مجموعة السلوك التي تنتقل للطفل من الأهل للأبناء من خلال العدوى، وغالباً ما يكون الأهل في هذا النموذج مترددين أو لديهم شخصيات مضطربة، فتنقل للطفل التردد، القلق، الخوف، التوتر.
وأخيراً، فإن كلام الأهل نفسه يؤثر على شخصية الطفل، فالأهل الذين دائماً ما يرددون كلمات إيجابية مثل “الله يرضى عنك”، “الله يوفقك”، والتي تعبر عن الحنان والعاطفة، تزيد من شعور الأمان في الأسرة.