يُقال إن الإنسان ابن بيئته، فالمنطقة الجغرافية والمعتقد الديني والعُرف السائد عوامل تساعد في تحديد الأنماط السلوكية للفرد ومنهجه وحتى طريقة تفكيره، فالفرد هو عامل رئيسيٌ في التأثير في بيئته، وهذه العلاقة متبادلة بين الفرد والبيئة، فكيف تؤثر البيئة المحيطة على الإنسان وسلوكه وطريقة تواصله مع الآخرين؟ وكيف يمكن للفرد أن يؤثر إيجاباً على بيئته؟
طبيعة العلاقة بين الفرد وبيئته
قالت “د. جيهان شنابلة” مدربة البرمجة اللغوية والعصبية وتطوير الأداء. لا شك أن الإنسان يتأثر بالبيئة المحيطة به، وتعني كلمة البيئة المحيطة هنا الأفراد الذي يعيش الإنسان بينهم، وكذلك الطبيعة الجغرافية والتضاريسية والإقتصادية والثقافية للمنطقة، وكما يتأثر الإنسان بتلك البيئة المحيطة فهو أيضاً يؤثر فيها.
وأقرب الأمثلة على هذا التأثير والتأثر أن من يعيشون في البيئات الجافة والوعرة يتحلون دوماً بالسلوكيات التي يمكن تسميتها بصراع البقاء، أما البيئات الزراعية الخضراء أو الساحلية المكشوفة فإن سلوكيات الإنسان تختلف وتقل حدة العنف والصلابة فيها.
ولمزيد من التبيان والتوضيح لا جرم من التعويل على المقولة الفلسفية “الإنسان حصيلة أكثر خمسة أشخاص يتعامل معهم”، وعليه يتأكد لنا مدى تأثير البيئة المحيطة على الفرد، حيث إن هؤلاء الأشخاص المؤثِّرين ستنتقل أفكارهم ومعتقداتهم وطبائعهم وسلوكياتهم وقيمهم حرفياً إلى ذاك الشخص المتأثر بهم.
هل التأثر بالبيئة المحيطة على إطلاقه؟ أم من الوارد اختلافه من شخص إلى آخر؟
أكدت “أ. جيهان” على أنه لا شك أن الأمر مختلف بين شخص وآخر، ويتضح ذلك جلياً من تواجد شخصين في نفس البيئة مع اختلاف كامل في سلوكيات وطبائع كلٍ منهما مقارنةً بالآخر، لكن هذا لا ينفي أن البيئات المختلفة تغرس في كلٍ منهما قيم ومعتقدات عميقة ومعقدة من مجرد السلوكيات والطباع التي تنغرس في موجودات البيئة من الأفراد، فالسلوكيات بطبيعتها يمكن تهذيبها تدريجياً لتتوافق مع بيئة العيش الجديدة، إلا أن تبدّل تلك السلوكيات يمكن حدوثه على الكبر وبرغبة وبدافع داخلي من الفرد، أما في مراحل الطفولة فإن سلوكيات البيئة المحيطة هي التي ستسيطر على الطفل ما لم يجد من يهذبها من باكر.
كيف نسيطر على ردة الفعل العنيفة تجاه البيئة المتشنِّجة؟
في بلداننا العربية وتبعاً لما فيها جميعاً دون أدنى استثناء من ضغوطات إقتصادية ونفسية وطبقية من الممكن جداً تنامي ردات الفعل العنيفة من المواطن ضد تلك البيئة بمكوناتها الضاغطة نفسياً عليه، والسبيل الوحيد لإحكام السيطرة على ردات الفعل هذه يتمثل في غرس القيم العليا في النفوس بحيث تصبح هي المُحرك الوحيد للفرد وليس تصرفات أو أفعال المحيطين، فتلك القيم العليا تؤكد للفرد أنه موجود في بيئته لخدمتها من ناحية ولتحمل أعباءها من ناحية أخرى، ومن هنا لا يفكر في ردة فعل عنيفة لأنه لا يفكر في مصلحته الشخصية فقط، وكذلك لأنه متوقع بقيمة الحكمة فيه أن المحيطين قد يَنْحَوْن إلى سلوكيات مُشينة معه، لذا عليه التعامل معها بهدوء، ومن هنا يتحدد لكل فرد في المجتمع مستوى النضج الذي يتمتع به، هذا النضج الذي يسلك به دروب التعامل مع البيئة المحيطة بوعي، حيث سيأخذ منها ما يناسبه ويناسب مداركه وقيمه، وسيتخلى عن المشاركة فيما يضر بيئته أو يضره شخصياً بتنافيها مع معتقداته العليا، وبتوسيع الدائرة الأفقية لعموم الناس في غرس هذه القيم والمُثل فإن ذلك سينعكس بنوع من الطمأنينة النفسية للأفراد حال تعاملهم مع البيئة المحيطة، ومن ثَم تحجيم السلوكيات الخشنة والعنف.
وأردفت “جيهان” بل إن شيوع تلك الطمأنينة النفسية سيحد من إصدار الأحكام السلبية على الآخرين لاستشعار تَلَبُس النفس بنفس هذه الأحكام المشينة، وهو ما يتبعه السيطرة على الضغائن التي تعتبر المسبب الرئيسي في ردة الفعل العنيفة تجاه المجتمع والمحيطين والعالم.
هل يتساوى التأثير في بيئة ما بين عموم قاطنيها؟
لا تساوي بين الأفراد في معدل تأثيرهم في بيئتهم، فالمؤثِرين في البيئة المحيطة في العادة يكونوا قِلة من أفرادها، حيث إن أولئك انتبهوا مبكراً لمجتمعهم وما يحيق به وبحضارتهم من مخاطر، وكنتيجة لهذا الانتباه يتولد عندهم شعور المسئولية في تصحيح ومعالجة المخاطر، هادفين إلى حماية المجتمع وثقافته وحضارته بشكل عام، وفي العادة لا يتولد ذلك الشعور بالمسئولية إلا بعد الوصول لمرحلة ما من النضج والوعي تحيد بهم إلى تغليب المصلحة العامة السامية عن المصلحة الشخصية الناقصة بهدف تصحيح ما يمكن تصحيحه للدفع بالمجتمع إلى الأمام وإلى الأمان، فمتى وصل الإنسان إلى هذه المرحلة فإن تأثيره في بيئته المحيطة سيكون كبير وملحوظ وذلك لصدقه ودأبه على تغيير المجتمع للأفضل، والمجتمعات والوعي الجمعي بطبيعة الحال لديهما القدرة على الفرز بين المُغيِّر الصادق وبين من يحمل أجندة خبيثة خفية.