بلقيس ملكة سبأ كانت بلقيس ملكة مملكة سبأ في اليمن في زمن نبي الله سليمان بن داود (عليهما السلام)، وقد ذكرت الملكة بلقيس في القرآن الكريم في سورة النمل، وهي واحدة من أشهر النساء في التاريخ القديم.
كان سيدنا سليمان (عليه السلام) قد علمه الله لغة الحيوانات والطيور، وسخر له الجن يعملون بين يديه، وفي أحد الأيام كان يتفقد الطير فلم ير الهدهد، فسأل عنه لأنه لم يستأذن نبي الله سليمان (عليه السلام) في مغادرة مكانه، فعزم على تعذيبه أو ذبحه إن عاد ولم يحمل معه عذرًا يشفع له ويفسر سبب غيابه.
جاء الهدهد وقال لنبي الله سليمان (عليه السلام): لقد جئتك بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن، لقد وجدت امرأةً تحكمهم وأعطاها الله قوةً وملكا عظيمين وسخر لها أشياء كثيرة، ولها عرش عظيم، وكرسي مرصع بالجواهر، وأضاف الهدهد أن بلقيس وقومها يعبدون الشمس من دون الله، قال ﷻ عن رحلة الهدهد: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾.
تعجب نبي الله سليمان (عليه السلام) من كلام الهدهد، وأن هناك قومًا لديهم كل شيء ويسجدون للشمس من دون الله ﷻ، وهنا عزم نبي الله سليمان (عليه السلام) أن يرسل إليها رسالة يدعوها إلى الإيمان بالله ﷻ وترك عبادة الشمس، ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له: اذهب وألقه إليها ثم انتظر حتى تعلم بما يجيبون علي.
وصلت الرسالة إلى بلقيس وقرأت فيها: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾، طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة، وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور؛ فكان رد فعل الملأ وهم رؤساء. قومها التحدي.
أراد رؤساء قومها أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب، ولكن الملكة كانت أكثر حكمة منهم، فإن رسالة سليمان (عليه السلام) أثارت تفكيرها أكثر مما استفزتها للحرب، فكرت الملكة طويلا في رسالة نبي الله سليمان (عليه السلام)؛ كان اسمه مجهولاً لديها، لم تسمع به من قبل وبالتالي كانت تجهل كل شيء عنه، وعن قوته وصدق دعوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها وهزيمتها، فقررت أن ترسل إليه بهدية، وفي ضوء ما يرجع به المرسلون سيكون تقدير موقفها الحقيقي منه ممكنًا، قال ﷻ مصورًا لهذا المشهد: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾.
لكن نبي الله سليمان (عليه السلام) لم يقبل هديتهم وردها، وأخبر رسول الملكة بأن الله قد أتاه ملكا عظيمًا ونبوة كريمة، وأن لديه ما هو أفضل من هديتهم، ودعاهم أن يأتوا إليه مسلمين، فإن رفضوا فسيرسل إليهم بجنود لم يروا مثلها من قبل ولا طاقة لهم بها، قال ﷻ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾.
وعلمت ملكة بلقيس بذلك، فقررت الذهاب إلى سليمان (عليه السلام) ومعها أشراف قومها وكبراؤهم لتستمع إليه، وعلم نبي الله بقدومها، فسأل جنوده من الإنس والجن عمن يستطيع أن يحضر له عرشها قبل أن تصل هي وقومها إليه، قال ﷻ على لسان سيدنا سليمان (عليه السلام): ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ، فقال عفريت من الجن: أنا أستطيع إحضار عرشها قبل أن تنتهي من مجلسك، وأنا قادر على حمله وأمين على جواهره لكن شخصا آخر يطلق عليه القرآن الكريم ﴿الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ﴾ قَالَ لسليمان: أنا أستطيع إحضار العرش في لمح البصر.
قال ﷻ: ﴿قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.
فلما وصلت بلقيس انبهرت بما شاهدته من ملك نبي الله سليمان (عليه السلام) وما مكنه الله فيه من أسباب القوة، مثلما انبهرت بما رأته من تقدمه في الصناعات والفنون والعلوم، وأدركت بلقيس أنها تواجه واحدًا من أنبياء الله الكرام فأسلمت وآمنت بالله ﷻ، وأدركت أن الشمس التي تعبدها هي وقومها ليست إلا مخلوقًا خلقه الله ﷻ وسخره لعباده، وقد أحسنت بلقيس حين أسرعت لاتباع الحق عندما عرض عليها ولم تتأخر، قال ﷻ على لسانها: ﴿إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.