شهر رمضان شهر استثنائي يضاعَف فيه الأجر، ويرجوا المسلم فيه العفو والمغفرة، يحرص كل عاقل وفاهم على الانتفاع بفضله وخصوصيته، فمن الناس من يفتح الله عليه باب الصدقة فيوفق إلى إطعام فقير أو محروم، أو إفطار عابر سبيل أو سد احتياج محتاج، ومنهم من يوفق إلى زيارة بيت الله الحرام فتكون عمرته مباركة ويحصل من ورائها الثواب العظيم، ومنهم من يوفق إلى تلاوة القرن فيختمه المرة بعد المرة، ومنهم من يوفق إلى القيام، فكل ميسر لما خلق له.
لذا فإن من الفطنة أن يحرص المسلم في أيامه عامةً وفي شهر رمضان خاصةً أن يتعرض لكل أبواب الفضل فيطرقها، ويتقرب إل الله بكل أنواع الطاعات، فلعل باب من أبواب تلك الطاعات يؤدي به إلى رضا الله وجنته، ونعيمه المقيم، ومن ثم فسوف نضع لنا برنامجًا يوميًا للعبادة في رمضان، ينظم لنا يومنا وجهدنا، حتى لا نحرم من الفضل شيئا، ونفعل من كل عبادة ما تيسر لنا.
برنامج يومي للعبادة طوال يوم رمضان
مما لا شك فيه إن البرنامج اليومي في شهر رمضان يختلف من شخص لآخر حسب مواعيد العمل، وظروف أخرى كثيرة ولكن يظل القاسم المشترك بيننا هو تلك الأوقات التي نتوجه فيها إلى الله عز وجل جميعًا، ويجتمع المسلمون عليها مثل أوقات الصلوات المفروضة، وانطلاقًا من ذلك سوف نضع لأنفسنا برنامجًا وافيًا شاملًا لكل العبادات في رمضان، بحيث نلتزم به فنحقق الحد الأدنى من العبادات، ومن تيسر له ان يزيد فليفعل، والله الموفق والمستعان.
وقت السحر: وقت السحر هو اللحظات التي تسبق الفجر وتكون في ثلث الليل الأخير، وهو الوقت الذي يستحب تناول وجبة السحور فيه، ثم بعد الانتهاء نستعد للوضوء وانتظار صلاة الفجر في جماعة، نقضي الوقت الذي يفصل بين الوضوء وأذان الفجر في استغفارٍ ودعاءٍ ومنجاةٍ مع الله عز وجل فقد وعد الله السائلين والمستغفرين بالأسحار بالمغفرة والعطاء الجزيل.
بعد صلاة الفجر وحتى طلوع الشمس: يستحب البقاء في المصلى حتى طلوع الشمس و تلاوة أذكار الصباح وتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم ثم أداء صلاة الضحى.
بعد طلوع الشمس: الوقت الفاصل بين طلوع الشمس وبين صلاة الظهر إما أن يخلد المسلم إلى النوم لأخذ قسط من الراحة يعينه على يومه، أو يخرج لممارسة بعض أعماله إن كانت طبيعة عمله تقتضي ذلك.
وقت الظهيرة: ابتداءً من صلاة الظهر وحتى العصر يحرص الإنسان قدر الإمكان على أداء الصلاتين على وقتهما ثم يقضي تلك الفترة بالطريقة التي تناسب عمله.
من بعد صلاة العصر وحتى صلاة المغرب: من بعد صلاة العصر يحرص المسلم على أذكار المساء، وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم، ثم انتظار الفطر.
من بعد صلاة المغرب وحتى صلاة العشاء: غالبًا ما يكون هذا الوقت مزدحما بتفاصيل الفطر ويفضل البعض الاسترخاء تمامًا بعد تناول الافطار ليجدد نشاطه ويستعد لصلاة العشاء وصلاة القيام، ثم الخروج لصلات الأرحام، والعودة إلى البيت لأخذ قسط من النوم، يمتد حتى السحر، ليبدأ مواصلة مسيرة التقرب إلى الله في كل أحواله، حتى في نومه وتناول فطره أو سحوره أو أداء مهام وظيفته أو القيام ببعض التزامات بيته، يجب أن يكون المسلم في جميع أحواله مجددًا النية ومحتسبًا كل حركاته وسكناته لله عز وجل، ليستطيع تحويل كل عاداته ونشاطاته من عادات مجردة من مفهوم الإخلاص لله إلى عبادات لا يراد بها إلا وجه الله، فينوي بنومه أن يستعين به على العبادة فيكون نومه عبادة، وينوي بتناول طعامه أن يقوي جسده ليستطيع مواصلة العمل أو العبادة، فيصير تناول طعامه قربى، وينوي بسعيه على أهل بيته سد احتياجاتهم وإغنائهم عن التذلل للغير والتقرب إلى الله بهم، فيصير كل وقت يقضيه في عمله في معية الله وعبادته.
وختامًا: كل منا تختلف ظروفه عن الآخر ولكن جميعنا مطالبون بتحقيق التوازن وإن كان لا بد أن ترجح كفة على أخرى، فلترجح كفة العبادة والتقرب إلى الله، فهي الكفة الباقية وهي عمارة الدنيا وعمارة الآخرة معًا، بها ينصلح حالنا مع أنفسنا ومع غيرنا، وبها ننال رضا ربنا، فاجعلوا رمضان للعبادة أولًا، ثم بعد ذلك أي شيء.