ظهر النحل لأول مرةٍ على الأرض قبل 130 مليون سنة، وتجاوز عصر الديناصورات، وما ساعده في البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة هو التركيبة شديدة التعقيد لمجتمعه والعمل الجماعي. لكل نحلة دورها الخاص ومسئوليتها الخاصة بها، فتجد البعض يبني ويصلح الخلية وبعض النحل يحميها والبعض الآخر ينظفها ويجلب الطعام.
ولكن ماذا لو تمكنا من التسلل إلى خلية نحل لاكتشاف الآلية التي يعمل بها هذا النظام؟ وما الذي سنراه بالداخل؟
الحُرَّاس
إذا كنت نحلة من مستعمرة نحل أخرى فلن يسمحوا لك بالدخول دون قتال. يبدو حراس النحل مخيفين نوعا ما، إذ يقفون على أرجلهم الخلفية الأربعة عند مدخل الخلية ويرفعون أرجلهم الأمامية في الهواء، يقوم هؤلاء الحراس بفحص كل حشرة تدخل الخلية بقرون استشعارهم وأرجلهم الأمامية.
لكل خلية نحلٍ رائحة خاصة، ويمكن للحراس معرفة ما إذا كانت النحلة تنتمي للخلية عن طريق شمها.
فلا يُسمح بالدخول سوى للنحل الذي يعيش في الخلية.
وإذا اكتشف أحد الحراس دخيلا في الخلية، لكنها تحمل الكثير من الرحيق، فيسمح لها الحارس بالدخول، يبدو أنهم لا يمانعون قبول الهدايا المجانية من الطعام حتى من الغرباء.
هيكل الخلية
للخلية مدخل واحد فقط؛ وتلاحظ أن الجدران المحيطة بك غريبة المظهر، تتمعن بها جيدا فتجدها مغطاة بطبقة رقيقة من مادة ما، أنها صمغ النحل، وهي لاصق نباتي صلب ينتجه النحل.
يساعد صمغ النحل في محاربة الالتهابات وعلاج المشاكل الصحية المختلفة.
وعلى مسافة أبعد بقليل ترى أعدادا لا تحصى من أقراص العسل، أنها خلايا سداسية مكدسة قرب بعضها البعض ومكونة من شمع العسل، يستخدمها النحل لتخزين الطعام، أي حبوب اللقاح والعسل، وهنا أيضا يُحفظ البيض واليرقات والشرانق.
أقراص العسل مُثبَّتة على جدران الخلية، وتمتد من الأعلى إلى الأسفل وتتصل ببعضها البعض من الجوانِب، لكنك تكتشف ممرات ضيقةٍ على طول حواف قرص العسل، يستخدم النحل هذه الممرات للتنقل.
النحل يخزن العسل في الجزء العلوي من قرص العسل، وتحته توجد خلايا حبوب اللقاح، تليها خلايا تستخدم لحفظ البيض مع النحل الذي سيصبح عاملا في المستقبل. وفي الجزء السفلي يوجد بيض ذكور النحل.
العُمَّال
في البداية ترى الكثير من النحل، غالبيته من النحل العامل الذي يشكل الجزء الأكبر من سكان الخلية، والكل من الإناث، لكل نحلة وظيفتها الخاصة، وأكثر الوظائف شيوعا هي البحث عن الطعام.
تحوم النحلة؛ وبعد وقوفها على بعض الأزهار تبدأ فجأة بالاهتزاز وهي في مكانها، أنها رقصة النحل الشهيرة، هذه هي الطريقة التي يتواصل بها النحل.
فبمجرد أن تجد النحلة التي تبحث عن الطعام مخزونا ممتازا من الرحيق تبدأ الرقصة بشكل دقيق جدا.
تتبع الرقصة مجموعة من الخطوط المستقيمة والأشكال الثمانية، وتواصل النحلة طوال الرقصة هز أجنحتها أيضا.
تشير طول مدة الرقصة إلى بعد الرحيق عن الخلية، تعادل كل خمسة وسبعين ملي ثانية مائة متر، وتعتمد حيوية الرقصة على ثراء المكان بالرحيق، فكلما كان الاهتزاز أقوى كانت كمية الرحيق الذي وجدته النحلة أكبر.
وهناك أيضا زاوية الرقصة التي توضح اتجاه الرحيق بالنسبة للشمس.
فجأة؛ تُحلق النحلة للعودة إلى الخلية، وهناك تقوم النحلة برقصة الاهتزاز أمام عاملات أخريات، هذه هي الطريقة التي تُخبر بها النحل الآخر أن عليه جمع الطعام على الفور.
وسرعان ما يعود النحل، لقد عادوا ومعهم الكثير من الرحيق الذي يحتاج أن ينضج كي يصبح عسلا. تقوم النحلة الآن برقصة الارتعاش، أنها تهز ساقيها بطريقة تجعل جسمها يرتجف في كل مكان، هذه الرقصة الصغيرة تحفز النحل العامل للبدء في معالجة الرحيق.
الآن؛ نرى خلايا النحل العامل وهو في مرحلة البيض، تحتاج النحلة واحد وعشرون يوما لتتطور إلى نحلة عاملة كاملة النمو.
المهمة الأولى للعاملة الجديدة هي تنظيف الخلية التي كبرت بداخلها لتصبح الخلية حاضنة لبيضة جديدة، تعتني بها هذه النحلة وتقوم لاحقا بتغذية اليرقة وتدفئتها، وفي المرحلة التالية من حياتها -أي عندما يصبح عمرها من اثنا عشر إلى عشرين يوما- تبدأ النحلة في تولي أمور خلية، كإنتاج الشمع وتخزين حبوب اللقاح وبناء قرص العسل وحماية المدخل وغيرها.
وعندما يصل عمر النحلة إلى عشرين يوما تتجه للبحث عن الطعام فتبحث عن حبوب اللقاح والرحيق وصمغ شجر، لصنع صمغ النحل، كما وتجلب الماء الذي يحتاجه النحل للشرب وتبريد الخلية.
العناية الصحيَّة
وقد نرى داخل مجتمع النحل شيئا يشبه غرفة مستشفى، هناك يقوم النحل العامل برعاية النحل المريض، ويحضر الأطباء أنواعًا مختلفة من العسل لكل حسب مرضه.
لكن إن لم يجدوا طريقة للعلاج يخرجون النحلة المصابة من الخلية، مما يساعد على منع المستعمرة بأكملها من الإصابة بالمرض.
درجة حرارة الخليَّة
هناك أيضًا نحل للتحكم في درجة الحرارة، عادة ما تكون درجة الحرارة في الخلية حوالي 35 درجة مئوية، ومن الضروري أن تبقى عند هذا الحد، لا أكثر ولا أقل، وإلا فلن يفقس البيض.
وهناك مجموعة من النحل موكلة بحِفظ درجة الحرارة، فإذا انخفضت الحرارة في الخلية، سيحاول النحل رفعها، فسيهتز بطريقة معينة ترفع حرارة جسمه.
عند الحاجة لتبريد الخلية يذهبون ويجمعون بعض قطرات الماء، ثم يحضرون الماء على ظهورهم، بمجرد وصول النحل إلى الخلية يرفرف النحل بأجنحته بسرعة كبيرة مما يجعل الماء يتبخر ويخفض درجة الحرارة.
الذكور
وإذا وجدت هناك -داخل مجتمع النحل- نحلة بعيون ضخمة وجسم كبير وليس لها إبرة، هذا ذكر النحل. النوع الوحيد من الذكور في الخلية.
لا يملك ذكور النحل أي وسيلة للبحث عن الطعام، هدفهم الوحيد هو التزاوج مع الملكة والاهتمام بها.
حياة ذكر النحل ليست طويلة جدا، لسبب واحد وهو أنه إذا تمكن من التزاوج مع الملكة فلن ينجو أبدا، وإن كان هناك نقص في الطعام أو اقتراب الشتاء تقوم النحلات العاملات بطرد ذكور النحل من الخلية ولا تسمح لهم بالدخول ثانية.
ملكة النحل
وهناك الحضانة؛ وفيها ترى نحلة يبلغ حجمها ضِعف حجم النحلة العاملة، هذه هي الملكة، وهي النحلة الأهم في الخلية بأسرها لكونها الوحيدة القادرة على وضع البيض.
ورغم أنها الملكة؛ إلا أنها لا تحكم في الواقع، ودماغها أصغر من دماغ النحلة العاملة، لكنها تنتج في هرمونات خاصة تؤثر على الحالة المزاجية للخلية بأكملها، كما أن الملكة هي المسؤولة عن إنجاب جميع النحل في الخلية.
عندما تكون الملكة لا تزال يرقة تُطعمها عاملة النحل الغذاء الملكي، وهو مادة لزجة تحتوي على نسبة عالية من السكر.
عند تزاوج الملكة مع ذكور النحل تعود إلى الخلية وتبدأ بعد ثلاثة أيام بوضع البيض، ولا تتوقف أبدا، إنها تعمل بجد وخاصة في فصل الربيع؛ إذ تضع بيضة واحدة كل عشرين ثانية وبالتالي لا عجب أن يصل عدد النحل في المستعمرة من 30 ألف إلى 60 ألف نحلة في عام واحد.
وإذا رأيت مجموعة من النحل العامل -قرابة نصف المستعمرة- تغادر الخلية بقيادة الملكة؛ هذا يعني أن عدد النحل في المستعمرة أصبح كبيرا جدا، هي المرة الأولى التي تخرج فيها الملكة منذ التزاوج.
ينطلق السرب كله بحثا عن منزل جديد، أما في خلية النحل فستفقس ملكة جديدة بعد ثمانية أيام أيضًا.. وهكذا تستمر الحياة داخل مجتمع النحل العملاق هذا.