إن الأخلاق مجموعة المبادئ والصفات النفسية التي يتخذها الإنسان في حياته، ويعيش على أساسها بين الناس.
والأخلاق كفيلة أن ترفع من مستوى قيمة المرء بين أقرانه وبين الناس جميعًا، إذا انتهج الأخلاق الحسنة الحميدة، فيجله الناس ويوقروه ويحترموه، ويحترم هو ذاته ويبتعد عن كل ما يهبط بشخصيته في الحضيض.
إن ارتفاع شأن المرء بين أقرانه أو انحدار مكانته يتوقف على نوع الأخلاق التي ينتهجها المرء، ويسير بها في حياته، ويعمل وفق المبادئ التي تشكل قناعاته.
فالأخلاق الحميدة هي التي تجمل نفسية المرء، وتجعل قلبه رقيقًا محبًا للخير والسلام، وتجعله محبوبًا بين الناس، وبين أقرانه، ويكون في منزلة عالية عند الله “سبحانه وتعالى”، وعند الرسول “صلى الله عليه وسلم”.
أما الأخلاق القبيحة هي التي تشكل النفسية المعقدة الحقودة، والتي تكون مزمومة منبوذة بين الناس، ولا يحبه الله، ولا يحبه الرسول “صلى الله عليه وسلم”.
وعلى ذلك فإن الإنسان أمامه طريقان متضادان متنافران، طريقًا للخير ينتهجه بالأخلاق الكريمة والمبادئ القويمة، وطريقًا للشر ينتهجه بالقناعات الزائفة القبيحة القائمة على حب الشهوات وحب القبح، وعلى الإنسان أن يختار وجهته، وإين كانت وجهته، كانت التبعات والجزاء.
وفي هذا المقال أسرد قليلًا عن الأخلاق الحميدة التي دعى إليها الإسلام في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة على لسان الرسول الكريم المتصف بأسمى الأخلاق “صلى الله عليه وسلم” وكيف تؤدي دورًا محوريًا في حياة من ينتهجها، وتؤدي إلى انصلاح حاله وعلو شأن ورفع همته.
الإسلام وغرس القيم الحميدة
لقد غرس الإسلام في نفوس معتنقيه القيم الحميدة، والمعرفة الحقيقية به من خلال الأخلاق التي وصى الله بها الرسول “صلى الله عليه وسلم” وانتهجها الصحابة في التعامل مع المسلمين وغير المسلمين، فنشأ الناس في زمن الرسول “صلى الله عليه وسلم” يحبون الإسلام، ومنهم من دخل الإسلام، ومنهم من استمر على عقيدته لكنه يكن للإسلام حبًا دفينًا لما في الإسلام من التعاليم الجميلة القائمة على المحبة، والسماحة، والأخلاق الحميدة.
والقرآن وصى الإنسان بالعديد من القيم الحميدة، والأخلاق الحسنة التي تؤدي بالمرء إلى المراتب العالية في الدنيا بين الناس وأقرانه، وفي الآخرة أيضًا عند الله “سبحانه وتعالى”
قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ففي هذه الآية الشريفة يأمرنا الله “سبحانه وتعالى” انتهاج مبدأ التعاون فيما بيننا، ولكن التعاون القائم على أساس البر والتقوى، والابتعاد عن التعاون القائم على الإثم والعدوان.
والناظر في خلق التعاون يرى ما فيه من الأمور التي تحسن من حال المرء، وتجعله ناجحًا بين الناس، لأنه عنده المقدرة على التكاتف مع غيره والعمل في جماعة متكاملة وخلق نجاحًا باهرًا مما يعود عليه بالنفع وعلى الأمة بالفوائد الجمة.
ويقول الله “سبحانه وتعالى” أيضًا: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا). والآية الشريفة تدعونا إلى التوسط في الإنفاق، فلا ينفق الإنسان كل ما في جيبه ويسرف، فيعيش فقيرًا محتاجًا دائمًا، ويصير من إخوان الشياطين بتبذيره، ولا يقتر ويبخل على نفسه وعلى من هم في معيته فيصير مكروهًا منبوذًا بينهم، بل على الإنسان أن يتوسط في إنفاقه، فيستطيع أن يستثمر ماله، وألا يحرم نفسه وذويه ما يحبون.
ويقول الله “سبحانه وتعالى” في آية جامعة للأخلاق الحميدة التي ترفع من شأن المرء، وتجعل الرجل وقورًا محبوبًا بين الناس، يبارك الله في أعماله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
والله “سبحانه وتعالى” يدعوا إلى عدم السخرية، فالسخرية من قوم تدل على النقص الذي في نفسية الساخر، والابتعاد عن الظن السوء، فإن الظن السوء يخلق نفسية معقدة تقوم على الشك الدائم، وقد يكون الظن في غير محله، وتشدد الآية على اجتناب الغيبة والتجسس، فتلك الأفعال من الخسة التي تهبط بحال المرء في الحضيض، وترفع عنه الوقار والمكانة السامية.
والقرآن الكريم مليء بالآيات، القصير، والجامعة، وكلها تدعو إلى الأخلاق الحميدة التي يجب أن ينتهجها المسلم في حياته، حتى يصير محبوبًا بين الناس ويعلو شأنه وينصلح حاله، تلك الآيات من الصعب حصرها في هذه الأسطر المعدودة، لكن انظر في وصايا لقمان الحكيم إلى ابنه في القرآن الكريم، ترى الكثير من الخير، والوقار والإجلال لمن ينتهج هذه الأخلاق، وانظر في قول الله تعالى عن ضرورة العدل: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)، وغير ذلك في القرآن الكريم من الأخلاق الحميدة التي يجب أن ينتهجها المسلم في حياته فيصبح ذا شأن عظيم.
والسنة النبوية الشريفة، كان لها دور في إبراز فضل الأخلاق الحميدة وما يمكن أن تضفيه على حياة المرء في الدنيا والآخرة، ويكفينا أن الرسول “صلى الله عليه وسلم” قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وهذه الجملة الموجزة العظيمة تدل على أن كل خلق جميل حسن يؤدي إلى انصلاح حال المرء وعلو شأنه هو متجذر في الإسلام يعلمنا إياه ويربينا عليه.
والرسول “صلى الله عليه وسلم” يخبرنا في فضل صاحب الخلق الحسن، فيقول: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة).
ويقول “صلى الله عليه وسلم” أيضًا: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق).
وعن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يقول: (ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟) فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قالوا: نعم يا رسول الله! قال: (أحسنكم خلقًا).
والأحاديث الشريفة التي رويت عن الرسول “صلى الله عليه وسلم” في مجال الأخلاق كبيرة مما لا يسعنا التحدث عنها في هذه السطور المعدودة، ولكنا يجب أن نعلم أن الإسلام قام في الأساس على هذه الأخلاق الخيرة، وأن قوته كان منبعها أخلاقه، وهو متجذر في النفوس إلى الآن بسبب أخلاقه الكريمة.
إن الأخلاق الحميدة مجالها واسع، وهناك العديد من الأمثلة على الأخلاق التي يجب أن ينتهجها كل إنسان، ورغم أنها بسيطة للغاية لا تحتاج إلى مجهود لتأديتها، فإنها تؤدي دورًا كبيرًا في انصلاح حال المرء وعلو شأنه.
من هذه الأخلاق: الكلمة الطيبة، فهي تؤلف بين القلوب، وهي منبع التحاب بين الناس، والإنسان إذا أراد أن يصير محبوبًا عليه أن يقول الكلمة الطيبة، ويبتعد عن الكلمات الدنيئة التي تدمي القلوب وتضربها في مقتل، فلا يصير منبوذًا بين الناس.
ومن الأخلاق الكريمة أيضًا: الابتسامة الصافة المصحوبة بصفاء القلب، والبعد عن الكذب والنفاق، والتزام الأمانة والصدق.
كل تلك الأخلاق هي السبب الأساسي في علو شأن الإنسان وانصلاح حاله وحلو البركة على حياته، وغيرها من الأمور المادية لا يعول عليها.