تُنظم جمعية “لا فساد في لبنان” لقاءً حوارياً عن قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وضمن إطار تعزيز الشفافية في قطاع البترول، ويعد الفساد من أبرز التحديات التي تعترض الدولة اللبنانية.
ما هي المعايير التي يتحدد على أساسها ترتيب الدول من حيث الفساد؟
يقول مدير البرامج في الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية “أيمن دندش”، توجد سبعة مؤشرات عالمية منها مؤشر الديمقراطية ومؤشر الحوكمة الرشيدة… إلخ، وتخضع لتلك المؤشرات الدول المختلفة لبيان ترتيبها على لائحة الأكثر والأقل فساداً، حيث تقوم مؤسسات دولية متخصصة بقياس تلك المؤشرات في كل دولة على حدة، من ثَم تقوم تلك المؤسسات بإجراء عملية حسابية طويلة ومعقدة يكون الناتج منها وضع كل دولة في ترتيبها الصحيح من حيث مدى شيوع الفساد فيها من عدمه.
وأردف “أ. دندش” قائلاً: ويتضح من طريقة الحساب تلك أنها عملية دقيقة جداً لا يمكن التلاعب فيها أو تزويرها، وهو ما يثير الدهشة والإستغراب عن دولة لبنان على سبيل المثال، ففي السنوات الخمس الأخيرة ارتفعت النبرة الكلامية وتزايدت النقاشات الحوارية حول جهود مكافحة الفساد على المستويات الرسمية وغير الرسمية، إلا أنه في الواقع يأتي ترتيب الدولة اللبنانية لهذا العام في المرتبة 148 من أصل 180 دولة من حيث الشفافية، وهو ما يعد مقياساً واضحاً على أن الكلام على كثرته لا يتعدى كونه تنظير أجوف لا نتائج ملموسة منه على أرض الواقع ولا يدفع إلى تحركات فعلية لمكافحة الفساد داخل الهيئات الحكومية، وهو ما يوضح ويؤكد على أن لبنان مازالت لا تمتلك آليات جادة للحوكمة الرشيدة أو للشفافية.
ما الذي يَحُول دون تطبيق خطة واقعية لمكافحة الفساد في لبنان وفي غيرها من الدول العربية؟
أشار “أ. أيمن” إلى أن ما يمنع من مكافحة الفساد في أي دولة من دول العالم وليس فقط الدول العربية هو اختلال النظام السياسي بهذه الدولة، ففي لبنان على سبيل المثال يعتمد النظام السياسي وقوانينه بشكل واضح على المحاصصة الطائفية التي تُقسم المناصب العليا وفق الطائفة أو المعتقد الديني الشخصي وليس الكفاءة أو الخبرة، حتى في الدول العربية الأخرى التي لا تعتمد النظام الطائفي في العمل السياسي، إلا أنها مازالت تعاني أيضاً من النظام القبلي أو العشائري الذي يقدم مصلحة الفئة على مصلحة مواطني الدولة ككل، حيث أصبح التناحر بين الطوائف أو العشائر أو الأحزاب يتمثل في صراع بقاء مفاده ضرورة القضاء على الآخرين للتمكن من الاستمرار والسيطرة.
ومن هنا تعتبر مثل هذه الطريقة الزبائنية في إدارة الدولة باب واسع لترسيخ الفساد وتضخيم حجمه وتنامي أفرعه، حيث يصبح تقديم الخدمات الأساسية متوقف عند أفراد الحزب أو الطائفة، وفيما عداهم يصبح التقديم لمن يملك القدرة على دفع المال أو رد الخدمة بخدمات أخرى، أي أن تقديم الدولة لخدماتها لا يتساوى أمامه كل المواطنين باعتبارهم من حاملي جنسية الدولة فقط، ولكن يُضاف إلى الجنسية عوامل وشروط أخرى هي المحددة لإستحقاق الفرد لهذه الخدمة أو تلك.
وتابع “أ. أيمن” قائلاً: وجدير القول أن الخلل السياسي المؤدي إلى الحيلولة دون مكافحة الفساد في الدول العربية وعلى رأسها لبنان لم ينتج عن نقص في القوانين أو قلة في التشريعات، ولكنه ناتج عن عدم تفعيل القوانين الموجودة على نحو صحيح وواقعي، ففي لبنان تم إقرار قانون حق الوصول إلى المعلومات في العام 2017م، كما تم سن قوانين صارمة لحماية كاشفي الفساد، وأخرى للشفافية في قطاع النفط والغاز، أضف إلى ذلك وجود العديد من الجهات الرقابية وجهات المحاسبة، إلا أنه بالرغم من ذلك كله لا يوجد قرار سياسي حقيقي وواقعي بتطبيق وتفعيل نصوص كل تلك القوانين والقرارات.
ومن الضروري الإشارة إلى أن القرار السياسي في مكافحة الفساد يلزمه بدايةً رفع اليد التنفيذية الحكومية عن الأجهزة القضائية والرقابية حتى يتثنى لها القيام بدورها على أكمل وجه دون لوم من أحد أو خوف من جهة أمنية أو إدارية أخرى، فوضع اليد السياسية على الجهات المعنية بالمحاسبة والرقابة يؤدي حتماً إلى توقف عمليات المحاسبة للفاسدين، وهو ما يعد مدخل لتعظيم حجم الفساد وانتشاره وتوسعه أفقياً ورأسياً بالدولة، حتى إن لبنان كمثال تشهد على بدء الفساد كجزء من السياسة، ثم تغلغل بعدها ليطال المجالات الإقتصادية، ثم توحش وامتد طولاً وعرضاً حتى أصبح الفساد جزءاً من ثقافة الشعب ذاته، وقِس على ذلك ما دون لبنان من الدول العربية الأخرى بما فيها الدول الغنية والنفطية.
هل تبدأ المحاسبة الصحيحة من أسفل الهرم أم من أعلاه؟
مقاومة الفساد الإداري عبارة عن عملية متكاملة الأركان والأبعاد، فلا يكفي لمكافحة الفساد الاهتمام بالمناصب العليا وترك المستويات الأقل، والعكس صحيحاً تماماً، حتى إن أحدث مفاهيم مكافحة الفساد هو المساءلة المجتمعية، حيث أصبح من حق ومن دور المواطن العادي رقابة ومحاسبة المسئول الحكومي أياً كان مستواه الوظيفي.
ما المقصود من مصطلح الحوكمة الرشيدة؟
أشار “أ. أيمن” إلى أن مصطلح الحوكمة الرشيدة يشير إلى نوع من الشراكة بين الحكومة والمواطنين في إدارة وصنع وتنفيذ القرارات، وذلك بهدف الوصول إلى نظام حكم تُفعَّل فيه المساءلة والمحاكمة اللذان يترتب عليهما رفاهة الإنسان.
ومن خلال هذا التعريف يتضح لنا خصائص الحوكمة الرشيدة والتي أبرزها المساءلة، المشاركة، المحاسبة، الشفافية، الكفاءة، المساواة، سيادة القانون، الإستجابة، فهذه كلها عناصر أساسية لابد من توافرها في النظام الحاكم للدولة حتى تُصنف على أن إدراتها تسير وفق الحوكمة الرشيدة ومعاييرها.
ومن الواضح أن الوصول إلى الحوكمة الرشيدة يلزمه قيام المواطن أو من يمثله من جمعيات ونقابات ونواب بالدور الأهم والأبرز في متابعة أداء النظام الإداري للدولة، ومن ثَم محاسبتهم على السلبيات والإخفاقات، وهذا بالضرورة لابد وأن يسبقه وعي كامل بكافة الحقوق التي تكفلها القوانين المختلفة.
متى يمكننا التخلص من الفساد نهائياً؟
اختتم “أ. أيمن” حديثه بالتأكيد على أن الأمر مضحك وعويص في ذات الوقت، فقانون حق الوصول إلى المعلومات بلبنان استغرق صدوره تسع سنوات متصلة، واحتاج إلى عامين كاملين لإستكمال لائحته التنفيذية، لذلك مكافحة الفساد عربياً – بشكل عام – تحتاج إلى كثير وقت ومجهود، لكن وجود قرار سياسي حقيقي بمكافحة الفساد مع رفع الحماية عن الفاسدين العموميين قد يُمكِّن من التخلص من 30% من آثاره بشكل مباشر وعبر إجراءات بسيطة جداً على رأسها تحويل المعاملات الحكومية إلى معاملات رقمية، وذلك للحد من تواصل المواطنين بالموظفين، وهو ما يتبعه تقليل درجات الفساد الإداري المتمثل في صور الرشاوى والهدايا وغيرهما.