في عام 2016م أشارت اليونيسكو إلى أن 17% من سكان العالم والراشدين مازالوا لا يعرفون القراءة والكتابة، وثلث هذه النسبة من النساء، كما أن معظم هذه النسبة من الشباب، وأوضحت أن 107 مليون شاب على مستوى العالم لا يستطيعون القراءة والكتابة منهم 60% إناث، وفي نفس الوقت يواجه 67.4 مليون شخص من الذين لم يلتحقوا بالمدارس صعوبات مستقبلية قد تؤدي إلى زيادة نسبة الأُمية بينهم.
الأرقام مخيفة وتدعو للقلق، كما تدعو الحكومات إلى إتخاذ إجراءات مهمة في هذا الإطار، لأنه من غير المسموح بعد اليوم وفي ظل كل هذا التقدم التكنولوجي أن يبقى هناك أشخاص لا يعرفون الكتابة والقراءة.
ما هو تعريف الأُمية؟
مديرة البرنامج الوطني لتعليم الكبار في لبنان والمنسقة الإعلأُمية للجنة التنسيق العليا للعقد العربي لمحو الأُمية بجامعة الدول العربية الدكتورة “نعمت جعجع”. لا يوجد تعريف موحد بالعالم للأُمية أو للشخص الأُمي، ويمكننا القول أنهم فاقدي المهارات الأساسية للقراءة والكتابة من عمر خمسة عشرة عاماً وما فوقه، وقد ظهر في الآونة الأخيرة مصطلح جديد هو فاقدي القرائية، وهم الأشخاص الذين ذهبوا إلى المدارس لعام أو أكثر ثم تركوها، ومع عدم استخدامهم للقراءة في حياتهم العادية أصبحوا فاقدي القرائية، أي أنهم يعرفون الحروف ونطقها كما أنهم يعرفون كيفية قراءة النص ولكنهم غير قادرين على فهم المعاني وتحليل المعلومات الواردة، أي أن فقدان القرائية عبارة عن إرتداد للأُمية، وهؤلاء نسبتهم أعلى من الأُميين العاديين.
ما هو واقع الأُمية العربية؟
أشارت “د. جعجع” إلى أن الأُمية قماشة عريضة من عدم الأهلية، ولذلك تضع كل دولة مفاهيم وأهداف تتعلق بتحسين نوعية حياة الأفراد بالمجتمع، لذلك نجد أن الدول العربية تُصنف من لا يستطيع القراءة والكتابة بالأُمي، في حين أن دولاً أخرى تعتبر من لا يتحدث لغتين على الأقل هو الأُمي، هذا إلى جانب أن مفهوم الأُمية توسع ليشمل مهارات التكنولوجيا، أي أنه لم يعد مُقتصر على القراءة والكتابة فقط، يُضاف إلى ذلك خطط محو الأُمية المتعلقة بالمجالات المختلفة مثل محو الأُمية الدينية والسياسية والإجتماعية …. إلخ، وعليه يتأكد أن واقع الأُمية في المجتمعات العربية يدعو إلى الشفقة والخوف، لأنه يتضمن بنود عديدة تحتاج إلى المحو لتحسين نوعية حياة الفرد العربي اليومية.
وجدير القول أن الأمة العربية مازالت تعاني من أوليات الأُمية المتعلقة بالأُمية الكتابية والقرائية، حيث ترتفع معدلات هذا النوع من الأُمية بشكل كبير، وهو ما يتبعه حتماً ارتفاعات في معدلات الأنواع التابعة لها من الأُمية.
هل العادات المجتمعية العربية هي السبب في ارتفاع الأُمية بين النساء؟
أكدت “د. نعمت” على أن حال الأُمية في العالم العربي لا يختلف عن حالها العالمي، فكما ذُكر في المقدمة فإن ظاهرة الأُمية بين النساء هي الأكثر ارتفاعاً مقارنةً بالرجال، فالعالم يعاني من تفشي الأُمية بمعدل الثلثين للنساء والثلث للرجال، وبالتالي لا يمكن القول بأن العادات العربية هي السبب، ولكن تعود أسباب جهل النساء إلى ارتباط الأُمية بالفقر، وارتباط الأُمية بصعوبة الوصول إلى المدارس، وبناءً عليه نجد أن العائلات الفقيرة والعائلات التي تعاني من صعوبة في الوصول إلى المدارس تفضل إرسال الذكر للتعليم وإبقاء الأنثى في المنزل، ولا يمكن أن يفوتنا وصف ذلك بأنه جزء من التمييز الجندري (على أساس الجنس) الموجود بالمجتمعات.
كيف تحدد كل دولة منفردة معايير الأُمية على أرضها؟
لا شك أن كل دولة على حدة تضع معايير خاصة بها في وصف وتحليل وإحصاء الأُمية، فنجد مثلاً أن بعض الدول تحدد الأُمية من سن العشر سنوات، في حين أن دولاً أخرى تحدده من خمسة عشرة عاماً، وهكذا دواليك مع المعايير الأخرى، إلا أنه في النهاية يوجد رابط – ولو بسيط – بين المعايير المستقلة للأُمية وبين المعايير الدولية العامة، وذلك حتى لا تتضارب الأرقام الإحصائية فيما يخص نسب الأُمية بكل دولة عبر الإحصائيات الرسمية المحلية والإحصائيات الرسمية العالمية.
هل تتوحد برامج محو الأُمية في كل الدول العربية؟ وما مدى نجاعة تلك البرامج؟
لابد من الإشارة إلى أن محو الأُمية لا يمكن أن يتم من خلال الاستقرار على نموذج واحد يتم تعميمه على الدول كافة، ولكن ما تتبعه الدول هو الإقرار بمجموعة من المقاربات بين برنامجها الخاص بمحو الأُمية وبين البرامج الأخرى للآخرين، حيث إنه في النهاية ليس الهدف هو تعليم مهارات القراءة والكتابة، ولكنها وسيلة لتحسين حياة الفرد، وأبرز الأمثلة على ذلك أن عدم القدرة على قراءة تعليمات إشارات المرور بالطرق يمنع الفرد من السياقة وإن كان سائقاً محترفاً، وهنا يأتي دور تعلم القراءة والكتابة في تحسين حياة الأفراد.
وأردفت “د. نعمت” قائلة: وبناءً على التأسيس السابق يتضح لنا أنه ليس من السهل تعميم نموذج لمحو الأُمية على أكثر من بلد، وذلك لاختلاف معايير قياس الأُمية من بلد لبلد، وكذلك لاختلاف الهدف النهائي من محو الأُمية الذي تقره كل دولة على حده، حتى إن بعض الدول تضع لمحو الأُمية أهدافاً متعددة يختص كل واحد منهم بطبيعة عمل الأُمي، فالفلاح له هدف من محو أميته، وكذلك الحال مع العامل والتاجر وربة المنزل… إلخ.
أما من حيث تأثير تلك البرامج على واقع الأمية العربية فمع شديد الأسف مازالت العديد من الدول تعاني من الأُمية ولم يتبدل حالها رغم وجود البرامج المختلفة، كما أن بعض الدول خفضت من معدلاتها في الأُمية لترتفع عندها معدلات الأُمية القرائية وهي أخطر وأشد ضرراً، وأبرز الأمثلة على ذلك أننا في القرن الحادي والعشرين ومازلت إحدى الدول العربية تعاني من نسبة أُمية تصل إلى 50% من مجموع الشعب.
ما هو البرنامج الوطني لتعليم الكبار في لبنان؟ وما دوره؟
ملف محو الأُمية وتعليم الكبار بلبنان يتبع وزارة الشئون الإجتماعية، وتُعرف الأُمية في لبنان على أنها عدم إمتلاك مهارات القراءة والكتابة والحساب من عمر 15 عام فما فوق، وملف محو الأُمية في لبنان دائماً ما توليه السلطات أهمية كبيرة لأنه مرتبط بالتنمية المستدامة الفردية والمجتمعية.
وجدير القول أن برنامج محو الأُمية اللبناني يتم تنفيذه بالتعاون مع مؤسسات المجتمع الأهلي، وكذلك عبر مراكز الخدمات الإنمائية المنتشرة في كل الأراضي اللبنانية، وفي الوقت الحالي يشمل البرنامج كل المتواجدين على الأراضي اللبنانية سواء مواطنين أو غير مواطنين، لذا يُولي البرنامج أهمية كبيرة بالنازحين السوريين والفلسطينيين والعراقيين على الأراضي اللبنانية من خلال برامج خاص بهم.
هل وضعت جامعة الدول العربية خطط عملية لإحتواء اللاجئين من حيث التعليم؟
كل الدول العربية التي استقبلت نازحين ومُهجرين في السنوات الأخيرة مثل الأردن ولبنان تتبع خطط وطنية مستقلة في تعليم الكبار، وكذلك في تعويض الأطفال حرمانهم من المدارس بسبب النزوح، لكن لا توجد خطة عامة تُطبق على كل الدول وكل النازحين، وهذا لا ينفي أن جامعة الدول العربية تُصدر من حين لآخر بعض التوصيات في هذا الباب، إلا أنها توصيات غير مُلزمة للدول، ولكنها توصيات إسترشادية لمن أراد العمل والإستئناس بها.
ما مدى إرتباط الفقر بالأُمية؟
لبيان مدى الإرتباط يمكن التنويه عن حال المجتمع اللبناني، حيث يتواجد بها ما يُعرف بالبرنامج الوطني لمكافحة الفقر، وكانت نسبة الأميين من إجمالي عدد من تشملهم مظلة ذلك البرنامج هي 27%، و80% من الإجمالي فاقدي القرائية، وهي نسب ومؤشرات دالة بوضوح على مدى الإرتباط بين الفقر والأُمية.
هل تحد إلزأُمية التعليم من الأُمية؟
أشارت “د. نعمت” إلى أن الدول العربية اتخذت خطوت جادة نحو تفعيل التعليم الإلزامي، ولكن إلزأُمية التعليم وحدها لا تكفي، فلابد وأن يتزامن معها المجانية، إلى جانب تطبيق التشريعات المُجرمة للتسرب من التعليم وعمالة الأطفال، فكل هذه العوامل مجتمعة لها أن تحد من تفشي الأُمية وتفشي فقدان القرائية.
هل الأوْلَى جعل تعليم الكبار لا مركزي للوصول إلى المناطق النائية؟
لا شك أن لامركزية محو الأمية لها دور كبير في توصيل البرامج إلى المناطق النائية والبعيدة، فالمدن بحد ذاتها تقل فيها نسب الأُمية، ولكن الأطراف والمناطق البعيدة هي الأولى بتنفيذ برامج تعليم الكبار، وفي هذا الصدد بادر المعهد الألماني الوطني للتعليم المستمر بالتعاون مع شركة مايكروسوفت في تنفيذ آلية جديدة توصل برامج محو الأُمية للمناطق النائية عبر التكنولوجيا الحديثة، وقد تفعَّل هذا التعاون حالياً بأربعة دول منها مصر وأثيوبيا، ومستقبلاً سيتوسع التنفيذ ليشمل دولاً أخرى.