معلومة: جريجور مندل هو الراهب النمساوي الذي اكتشف المبادئ الأساسية لعلم الوراثة.
سبق وذكرنا أن كل من الأبوين يورث الأبناء نسخة واحدة من جيناته، وتسمى هذه النسخة بالأليل، وتكون الأليلات إما سائدة أو متنحية، وستظهر صفة الأليل السائد.
أما صفة الأليل المتنحي فلا تظهر إلا عند عدم اقترانه بـ أليل سائد.
أنظر هناك؛ كل المعلومات التي توصل لها مندل كانت ستظهر إعجاب داروين كثيراً، لأن داروين قضى معظم حياته وهو يُدافع عن فكرة الانتخاب الطبيعي الذي اعتبره القوة الدافعة وراء عملية يتطور.
ولكن داروين لم يكن لديه أدنى فكرة عن كيفية انتقال الصفات من الآباء إلى الأبناء.
بالرغم من أن هذين العالمين عاشا في نفس الفترة الزمنية، ولكن توفي مندل وداروين وهما لا يعرفان عن العلاقة بين أفكارهما.
سنقوم بتوضيح هذه العلاقة في هذا الموضوع من خلال علم الوراثية السكانية الذي يدرس أثر الوراثة والتطور على بعضهم البعض، ويتطلب ذلك بعض الحسابات الرياضية.
علم الوراثيات السكانية Population Genetics
إن المبدأ العام هو أن الوراثيات السكانية ليس بالأمر المعقد؛ فهو ببساطة: دراسة طريقة تغير المجموعات السكانية لنوع ما وراثياً مع الوقت مما يؤدي إلى تطور هذا النوع.
تعريف المجموعة السكانية
هي مجموعة من الأفراد من نفس النوع، ويمكن لهؤلاء الأفراد التزاوج فيما بينهم، ونتيجة لتطور المعدات الحديثة في فحص الجينات، ولأنه على عكس داروين فإننا نعرف الكثير عن علم الوراثة.
يمكن الآن دراسة التغير الجيني لمجموعة سكانية عبر عددٍ قليلٍ من الأجيال، ونتيجة لذلك يمكن للعلماء مراقبة عملية التطور خلال فترة حياتهم.
التكرار الأليلي للمجموعة السكانية
يتضمن علم الوراثيات السكانية دراسة العوامل المسببة للتغيرات التي تطرأ
على ما يُسمى بـ “التكرار الأليلي” ويُشير هذا المصطلح إلى عدد المرات التي تظهر فيها أليلات معينة ضمن المجموعة السكانية.
وهذه التغيرات هي السبب الرئيسي لحدوث التطور.
هنا نوصيك بالاطلاع على: الانتواع: بحث كامل ومفصل
العوامل التي تؤدي إلى تغيير التكرار الأليلي للمجموعة السكانية
تُساهم عدة عوامل في تغيير التكرار الأليلي ضمن المجموعة السكانية، وعدد هذه العوامل هي خمسة وهي في غاية الأهمية، وهي السبب الأساسي الذي سمح بتكوين الكائنات الحية المعقدة على الأرض.
الانتخاب الطبيعي
يعد مصدر الضغط الانتخابي الرئاسي هو الانتخاب الطبيعي؛ وهي النظرية التي طرحها داروين وقضى وقتاً طويلاً من حياته وهو يدافع عن صحتها.
كما تعرفون يتسبب الانتخاب الطبيعي بزيادة تكرار الأليلات التي تجعل الحيوانات أكثر قوة وذكاءً، وأقل عرضة للوفاة في المجموعة السكانية.
ومعظم الضغوط الانتخابية الأخرى هي ضغوط بيئية؛ مثل الموارد الغذائية، والحيوانات المفترسة والطفيليات.
الانتخاب الجنسي
على المستوى السكاني من أهم القوى التطورية؛ هي الانتخاب الجنسي، وتعود أهمية الوراثيات السكانية إلى تركيزها على مفهوم التزاوج غير العشوائي.
والانتخاب الجنسي يعني ببساطة أن بعض الأفراد سيكونون أكثر جاذبية للجنس الآخر من غيرهم بسبب امتلاكهم لسمات معينة مما يعني أنه سيتم اختيارهم للتزاوج.
وبالتالي؛ سيزداد عدد الذرية التي تحمل هذه السمات.
ويُشير علم الوراثيات السكانية إلى أن الانتخاب الجنسي يعني أن التزاوج لا يتم بشكل عشوائي؛ حيث يتم تفضيل بعض السمات على غيرها على الرغم من أن هذه السمات قد لا تؤثر على قدرة الحيوان على البقاء.
يُغير الانتخاب الجنسي في التركيب الجيني للمجموعة السكانية لأن أليلات الأفراد الأكثر نجاحاً في عملية التزاوج ستتكرر أكثر في تجمع الجينات.
فتزوج أكثر يُعني ذرية أكثر.
الطفرات
من العوامل الأخرى الهامة التي تمنى داروين لو أنه فهمها هي الطفرات.
في بعض الأحيان عند تكوين البويضات والحيوانات المنوية من خلال الانقسام المنصف يحدث خطأ في عملية نسخ الحمض النووي. هذه الأخطاء في الحمض النووي قد تؤدي إلى موت أو تشوه الجنين.
لكن لا يعتبر كل الطفرات ضارة. قد تتسبب هذه الأخطاء في تكوين أليلات جديدة تُفيد الفرد من خلال تحسين قدرته على إيجاد الغذاء، أو تجنب الحيوانات المفترسة، أو تساعده في العثور على شريك للتزاوج.
هذه الأخطاء الجيدة والأليلات التي تنشأ عنها يتم تمريرها إلى الجيل القادم ثم إلى المجموعة السكانية.
الانحراف الوراثي
وهو العامل الرابع؛ فعندما يتغير تكرر أليلي عشوائي بمحض الصدفة، وتزداد فرصة حدوث ذلك كلما كان عدد المجموعة السكانية أصغر.
كما يحدث هذا الانحراف الوراثي بطريقة أسرع إذا تعرضت المجموعة السكانية إلى إعصار مثلاً.
لا يزيد الانحراف الوراثي من صلاحية الأفراد بل يجعلهم مختلفين.
تدفق الجينات
وهي من الأمور التي لها أثر كبير على تغييرات الأليلات، وهي عندما ينضم أفراد يحملون جينات مختلفة إلى مجموعة سكانية، وينشرون أليلاتهم، ومن الأمثلة على ذلك؛ عند هجرة الحيوانات أو نزوحهم.
وكما هو الحال في الانحراف الوراثي يمكن رصد آثار تدفق الجينات في المجموعات السكانية الصغيرة.
دعونا نذكركم بهذه العوامل الخمسة
- الانتخاب الطبيعي: حيث يزداد تكرار أليلات الكائنات الحية الأكثر صلاحية.
- الانتخاب الجنسي: حيث يزداد تكرار أليلات الكائنات الحية الأكثر جاذبية جنسياً.
- الطفرات: حيث تظهر أليلات جديدة بسبب أخطاء في نسخ الحمض النووي.
- الانحراف الوراثي: حيث يتغير التكرار الأليلي بشكل عشوائي.
- تدفق الجينات: حيث يتغير التكرار الأليلي بسبب الاختلاط مع مجموعة سكانية أخرى مختلفة وراثياً.
والآن بعد أن عرفناكم على كل هذه المعلومات، ولنتمكن من تفسير طريقة تأثير هذه العمليات على المجموعات السكانية لابد من تجاهل كل ما ذكرناه.
واقرأ هنا عن علم الأحياء النمائي التطوري
مبدأ هاردي-واينبيرغ
في عام 1908 توصل العالمان جود فيري هاردي وفيلهيلم واينبرغ بشكل مستقل وفي نفس الوقت إلى نفس المعادلة التي تصف أنه عند توفر الظروف المناسبة يمكن تطبيق الوراثة المندلية على نطاق المجموعة السكانية بأكملها.
لكن هذه الظروف المناسبة تفترض عدم وجود أي من العوامل التي ذكرناها قبل قليل.
إن معادلة هاردي-واينبيرغ البسيطة تبين مدى تكرار ظهور أليلات مختلفة ضمن مجموعة سكانية افتراضية لا تتطور، وتسمى هذه الحالة الافتراضية المثالية بـ “نموذج توازن هاردي-واينبيرغ” ويكون فيها التكرار الأليلي ضمن المجموعة السكانية ثابتاً من جيل إلى جيل.
والوصول إلى حالة التوازن هذه يتطلب عدم وجود الانتخاب الطبيعي، وهذا يعني أنه لا يوجد أليلات مفيدة أكثر من غيرها.
وبالتالي؛ لن يتم انتخاب الأليلات الأفضل للمجموعة السكانية، ولا يوجد للانتخاب الجنسي أيضاً، وهذا يعني أن التزاوج ضمن المجموعة السكانية يكون
عشوائياً، ولا يمتلك أي فرد فرصة للتزاوج أكثر من غيره، ولا يوجد أي طفرات، لأن الطفرات تُعدّل في تجمع الجينات.
كما يتطلب مبدأ هاردي-واينبيرغ مجموعة سكانية ذات حجم ضخم؛ لأنه كلما صغر حجم المجموعة السكانية كلما زاد احتمال حدوث الانحراف الوراثي.
وأخيرا لا وجود للتدفق الجنيني؛ مما يعني أنه لا يمكن انضمام أفراد آخرين من جزيرة مجاورة مثلاً، لأن ذلك سيغير التكرار الأليلي بشكل كبير، وكما ترون هذا المبدأ يحتاج إلى توفر شروط كثيرة.
توصل هاردي وواينبيرغ إلى هذه المعادلة في نفس الوقت مما يعني أن المسألة لم تكن في غاية التعقيد، ولا يُمكن اعتبارها اكتشافاً عقلياً.
فالفكرة بحد ذاتها بسيطة جداً.
برأيكم: هل يمكننا التوصل إلى تلك المسألة بأنفسنا؟
ما يجب تحديده هو العلاقة بين الطراز الظاهري ومدى تكرار الجينات في المجموعة السكانية.
الخطوة التالية لتفسير ذلك؛ سنطرح مثال شمع الأذن.
إن سمة تماسك شمع الأذن من السمات المندلية، وسنعبر عن شمع الأذن الرطب بحرف دبليو كبير W لأنها السمة السائدة.
في حين سمة شمع الأذن الجاف ستكون حرف دبليو صغير w لأنها سمة متنحية.
ونرمز لتكرار الأليل الرطب السائد في المجموعة السكانية بحرف P ونرمز لتكرار الأليل الجاف المتنحي بالحرف q.
وكما تلاحظون فإن حرف q هو عبارة عن حرف P مقلوب ونظراً لوجود أليلين فقط لهذا الجين في المجموعة السكانية فإن الـ P + q = 1 فإذا كان معدل تكرار الـ P هو 75% 25 فستكون q هي 25% ويكون ناتج جمعهما واحد.
افترضوا أن هناك جزيرة ينطبق عليها حالة التوازن التي أشار إليها هاردي وواينبيرغ، وأن هذه الجزيرة يعيش فيها 100 شخص تسعة منهم لديهم شمع أذن جاف.
وهذا يعني أن تسعة من أصل 100 أي 9 % أو 9 أجزاء من مئة، وهذه القيمة ليست قيمة q وهي لا تعبر عن تكرار w صغير بل هي تعبر عن تكرار w w المتماثلات الكروموسومات.
أي أن هذا هو الطراز الظاهري وليس الطراز الجيني الذي ما زال قيمته غير معروفة.
ولابد من وجود أليلات W أخرى ضمن أزواج غير متماثلة الكروموسومات. فكيف سيتم تحديد قيمتها؟ وكم يبلغ عددها؟
تكرار W الكبيرة بالإضافة إلى تكرار w الصغيرة يساوي واحد، ولكن هذه القيمة للمجموعة السكانية بأكملها.
ونحن نعلم أن لكل فرد في المجموعة طراز جيني يتكون من أليلين مختلفين، مما يعني أن هذه العملية تحدث مرتين لكل فرد.
وبالتالي؛ يجب تجب تربيع هذا الجزء، وكما تذكرون من علم الجبر أن تربيع هذه المعادلة، فستحصلون على P تربيع + Pq تربيع + Pq + Pq تربيع = 1 وهذا ما فعله هاردي وواينبيرغ.
ويتضح لنا ما يلي؛ أن 9% من أفراد المجموعة السكانية لديهم طراز جيني متنحي متماثل الكروموسومات، و49% منهم لديهم طراز جيني سائد متماثل الكروموسومات، في حين 42% منهم لديهم طراز جيني غير متماثل الكروموسومات يتألف من W كبيرة وأخرى صغيرة.
والرائع بشأن هذه المعادلة أنها تسمح بتطبيق أفكار مندل على المجموعات السكانية الكبيرة، وعند عدم مطابقة نتائج هذه المعادلة مع الواقع فيمكن الاستنتاج أن سبب ذلك يعود إلى أحد العوامل الخمسة التي ذكرناها في البداية، أو ربما أكثر من عامل في نفس الوقت.