أرادت الجدة زينب أن تُسعد الحفيدين حسام ومرام، ولذلك فكرت أن تصحبهما في رحلة إلى حديقة الحيوان، وعندما أيقظت الحفيدين وأخبرتهما فرحا فرحًا شديدًا، وأخذا يتسابقان في مساعدتها لتحضير أغراض الرحلة، فمرام تُعد السندوتشات اللذيذة وحسام يُحضر زجاجات المياه، أما الجد عرفان فقد سعد بهذه الرحلة سعادة خاصة، وقال: هناك يمكننا مشاهدة الناقة على الطبيعة.
وانطلقت السيارة التي استأجرها الجد إلى الجيزة حيث تقع حديقة الحيوان، اتفقت أسرة الجد عرفان أن يتجولوا في كل مكان بالحديقة معًا وألا يترك أحدهم المجموعة، حتى يستمتعوا ويستفيدوا أكثر ويكون الحفيدان في أمان.
في البداية شاهدوا الببغاء وأعجبوا بريشه الملون الزاهي، ثم وجدوا القرد بحركاته الشقية اللطيفة، وأخيرًا شاهدوا الدب وهو يستحم بالماء البارد، ومروا على عدد من الحيوانات، وبعدها قرروا أن يجلسوا لتناول الفطور، اختار الجد عرفان مكانًا ظليلا بجوار ساحة واسعة لها سور سأل حسام هل هذا المكان فارغ.. فأنا لا أرى به حيوانا؟
قالت مرام لا ليس فارغا؛ بل توجد لافتة مكتوب عليها…. وقبل أن تقرأ برز جمل يتجه نحوهم، فهلل الحفيدان: جمل.. جمل.
ويبدو أن بقية الجمال والنوق سمعوا صوت الحفيدين فأتوا مسرعين.
ظل الجد والجدة والحفيدان يتأملون المشهد البديع وقالوا: سبحان الله.
سفينة الصحراء
أشار الجد بيده وسأل الحفيدين ما رأيكما هل نبدأ الآن؟
صاح الحفيدان: نعم.. فلدينا معلومات كثيرة.
قال حسام الجمل سفينة الصحراء بحق، فهو يتكيف مع العيش في الصحراء بطرق مختلفة، حيث يمتلك غشاء رقيقا على عينيه أسفل الجفن يحميه من العواصف الرملية، وفي نفس الوقت يسمح بدخول كمية كافية من الضوء تمكن الجمل من الرؤية، كما يمتلك الجمل صفين من الرموش الطويلة التي تمنع دخول الرمل إلى العينين.
وأكملت مرام والجمل يستطيع إغلاق فتحتي أنفه لمنع الرمال من الدخول فيهما، كما أن خفه العريض يُساعده على المشي في الرمال، والجمل حيوان مجتر يُعيد الطعام من معدته ليمضغه مرة أخرى.
سأل حسام هل يخزن الجمل المياه؟ أجاب الجد عرفان نعم..
إنه يخزن المياه داخل جسده، لذلك فهو يصبر على العطش كثيرا.
خف الجمل
قال حسام وجدت معلومة عجيبة عن خف الجمل الذي يستخدمه كمخزن للماء، فهو بمثابة وسادة مائية حيث تعمل أنسجة الخف على حفظ الماء.
حينها كان الحفيدان قد انتهيا من تناول الفطور، فأخرجت الجدة الترمس وبدأت في صب العصير لهما، اقتربت ناقة كبيرة منهم وكأنها تستمع لحديثهم، ففرح الحفيدان بها وأخذا يشيران إليها ويصيحان كي تلتفت لهما، وبالفعل نظرت لهما وكأنها تتأملهما، فقالت مرام وهي تتفحص أنف الناقة: إن أنفها عجيب!
قال حسام بالفعل أنف الجمل عجيبة، فهي مجعدة كبيرة من الداخل، وتقوم بعمل المكثف حيث تكثف بخار الماء الخارج مع هواء الزفير، وبذلك تحول دون خروجه فهو الحيوان الوحيد الذي يستخلص الماء الموجود في الهواء الذي يتنفسه.
الجمل لا يلهث:
قال الجد عرفان وهناك معلومة تقول: إن الجمل لا يلهث أبدا، حيث يستطيع أن يحافظ على ماء جسمه بكفاءة عالية فلا يفقد منه إلا القليل، إذ إنه لا يتنفس من فمه… وهو بذلك يتجنب تبخر كميات كبيرة من ماء جسمه عن طريق الفم، كما تقوم الكليتان بدور كبير في اقتصاد الماء الموجود داخل الجسم.
وأضاف حسام والجمل أيضًا يحتفظ بالبول في المثانة طالما أنه في حاجة إلى الماء، حيث يمتص الدم الماء والبول مرة أخرى ويدفعه إلى المعدة لتقوم بكتريا خاصة بتحويل البولينا إلى أحماض أمينية، أي: إلى بروتين وماء.
وأكمل حسام الحديث: وتخيلوا أن للجمل قدرة على شرب ماء البحر؛ حيث إن الكلى عنده تخلصه من الأملاح الزائدة.
قالت مرام وعرفت أيضًا أن حليب النوق غذاء متكامل ذو مواصفات عالية، يعتمد عليه البدو وسكان الصحراء في تغذيتهم.
صالح (عليه السلام):
سأل الجد حفيديه عن الناقة التي ذكرت في القرآن الكريم: أجابا في صوت واحد: ناقة سيدنا صالح (عليه السلام) والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم في أكثر من موضع، منها: قوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) وقوله ﷻ: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُم مِّنْ إِلَهِ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ)، وقوله ﷻ: ﴿قَالَ هُذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ).
سأل الجد: ولكن من منكما يعرف نبي الله صالح (عليه السلام)؟
رد حسام هو نبي أرسله الله إلى قوم ثمود، وكانوا قومًا جاحدين، حيث آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام، وتفاخروا فيما بينهم بقوتهم، فبعث الله ﷻ إليهم نبي الله صالح (عليه السلام) ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه؛ فأتاهم بالناقة التي كانت معجزة كبرى، فقد انشقت صخرة بالجبل فخرجت منها الناقة، وأمرهم ألا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم وعنادهم فذبحوا الناقة فعاقبهم الله بالصيحة، ونجى الله صالحًا والمؤمنين معه.
معجزة الناقة
قال الجد عرفان نعم يا حسام إن الناقة كانت معجزة؛ لأنها خرجت من صخرة بالجبل، وكانت معجزة أيضًا لأنها كانت تدر لبنا يكفي لشرب قوم ثمود جميعًا، وقد وصفها الله بقوله ﷻ: (نَاقَةُ الله) فأضافها لنفسه ﷻ بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله، وأصدر الله ﷻ أمره إلى صالح (عليه السلام) أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها، فأمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.
ولكنهم لم يستمعوا لنصح صالح (عليه السلام) لهم، وفي إحدى الليالي ذبحوا الناقة، وعندما علم النبي صالح (عليه السلام) بما حدث خرج غاضبًا على قومه، قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة بسوء؟ قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب.. ألم تقل إنك من المرسلين؟ قال صالح لقومه: (تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).
بعدها غادر سيدنا صالح (عليه السلام) قومه وتركهم، ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح.. قوم ثمود وهم على سفاهتهم واستكبارهم يهزأون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة، انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي هي صرخة واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يأتي حتى كان كفار قوم سيدنا صالح (عليه السلام) قد صعقوا جميعًا صعقة واحدة.
هلكوا جميعًا قبل أن يدركوا ما حدث، أما الذين آمنوا بسيدنا صالح (عليه السلام) فكانوا قد غادروا المكان مع نبيهم ونجوا.
حينها نظر الحفيدان إلى الناقة الموجودة بحديقة الحيوان فوجداها تنظر إليهم وكأنها تستمع معهما.
تعجب الحفيدان وقالا: سبحان الله! كم كانت رائعة، تذكرنا الآن أيضًا قصة حمار عُزير، وأيضًا الفيل وقصة أبرهة، ولم ننسى كذلك الكلب.. وأهل الكهف. جميعهم في قمة الروعة.
نظر الجد والجدة إلى الحفيدين، ورأيا عيونهما تلمع بالمعرفة والعبرة.
فقالت الجدة: كم أنا فخورة بكما!
ضحك الجد وقال: ولكن هل تذكران اتفاقنا؟!
صاح الحفيدان وقالا في مرح: طبعا يا جدنا.
قال الجد: إذن نلتقي غدًا في نفس الموعد لنتحدث عن “الحوت”.