من الأمور التي تسبب خلطا عند بعض الناس، والتي أسيء استخدامها هي موضوع العلاقة بين الفقر والإسلام، فالإسلام إذ يدع الفقير إلى التعفف والصبر والاحتفاظ بطهارة اليد، أو الحديث عن الفقراء والمساكين ومكانتهم عند الله متى صبروا واحتسبوا ولم يخرجهم مر الاحتياج إلى سلوك طريق لا يرضى الله عنه من طرق التكسب المحرمة، قد يتوهم معه المتلقي أنه دعوة للفقر أو الاستسلام له وهذا خلافا للمقصود تماما، فالإسلام يريد لأصحابه العفة والغنى وسعة الحال.
وللعلم فإن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف والمؤمن الغني أحب إليه من المؤمن الفقير، ومن ثم وضع لنا منظومة اقتصادية غاية في الرقي والواقعية والتكامل، تتسم بنجاحها وقوتها في التغلب على الفقر والتخلص من أفاته توابعه على الأفراد والمجتمعات، شريطة أن يتم تطبيقها على الوجه الأكمل، وأن يلتزم كل طرف من أطراف المنظومة بما عليه من واجبات.
آفات الفقر
الفقر هو الحرمان المادي الذي يحول دون مقدرة الشخص على تحصيل ضرورات الحياة وأساسيات العيش الآدمي، والفقر هو أصل كل بلاء ومصدر كل شقاء، فالقفر هو ذلك الطريق الذي يقف في نهايته الجهل والمرض والتدني الخلقي والسلوكي، وهو الساحة التي تراق على أرضها دماء الكرامة وعزة النفس، والفضيلة والحياة الآدمية، وينتصر الظلم والجشع والحرمان والبطش وغيرها من المعاني التي تجسد كل القيم المتدنية، فهناك تتوارى الآدمية وتظهر الطباع البهيمية، فالفقير الذي لا يجد قوت يومه ولا يملك علاجا لألمه يتوقع منه أن يصبح نبتة خبيثة، تنشر شرها أينما حلت.
موارد الخير في الإسلام … تغلق أبواب الفقر
المال قوة والإسلام يحب لأتباعه أن يكونوا أقوياء فاعلين، قادرين على إدارة دفة الواقع وقادرين على الانتصار لقيمهم ولشريعتهم.
أما عن مواجهة الإسلام للفقر وكيف تبناها فهناك عدة طرق، يمكن أن تؤدي في جملته وتفصيلها إلى الهدف المنشود من الخروج من نفق الاحتياج المظلم، وتحقق التكافل والاكتفاء المادي بصورة تبهر الاقتصادين وتخطف إعجابهم، وذلك من خلال عدة طرق أهمها ما يلي:
افترض الإسلام الزكاة وجعلها ركنا من أركان الإسلام، وبين مقدارها والنصاب الذي تجب معه الزكاة، وبين لنا منافذها والجهات المستحقة لها باستفاضة وبالتفصيل، والله الذي لا إله إلا هو، لو أديت الزكاة على الوجه الذي بينته الشريعة وبالكيفية التي ذكرتها، لأنقذت المجتمع الإسلامي من براثن الفقر وأمراضه.
والتاريخ الإسلامي شاهد على نجاح تلك المنظومة وقوتها فكم من حقبة تاريخية وولاية إسلامية تمكن رجالها من تطبيق شرع الله فيما يخص الذكاة والصدقات والإنفاق، فكانت النتيجة رخاء غير مسبوق، واكتفاء اقتصادي وصل لدرجة أن الغني يبحث بحثا حثيثا عن الفقير ليؤتيه حقه في مال الله ، فلا يجد، كما حدث في عهد خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه وأرضاه.
فضلا عن الزكاة المفروضة فهناك الصدقات الواجبة والمستحبة، والتي حث عليها الإسلام وأعلى مكانتها بين العبادات المتنوعة، وأجزل العطاء لمن يقوم بها وبين فضله، وأكد توصيته بالفقراء والمساكين وذوي الحاجة، كما جعل من الصدقات الجارية بابا لا يغلق من أبواب الثواب والرحمات الذي يظل مفتوحا حتى بعد موت صاحبه.
جعل الإسلام من الإنفاق ودفع المال وسيلة من سائل التكفير عن بعض الأعمال، وحلا لبعض المعضلات الفقهية، ومخرجا من المؤاخذة عن التقصير في بعض العبادات، من ذلك أن جعل كفارة الحنث في اليمن إطعام عشرة مساكين، وكفارة القتل الخطأ إطعام أيضا، وكفارة الفطر في نهار رمضان بلا عذر إطعام ستين مسكينا، وكفارة النذر إطعام، وكفارة الظهار إطعام، وكفارة إسقاط شرط من شروط الحج ذبح، وكفارة لبس المخيط فدية، وجعل من سنن النكاح وليمة العرس، ومن سنن استقبال المولود الجديد العقيقة.
وأخيرا لو التزم كل مسلم بحظه من تلك الأوامر، وأدى ما عليه من حقوق مالية وتعلمنا ثقافة التعاون والصدقة والسعي في قضاء حاجة المحتاجين والفقراء في ضوء تلك المنظومة، لما كان بيننا جائعا ولا محروما، ولا شابا يعجز عن نفقات الزواج، ولا أرملة تعجز عن نفقات أولادها، ولا مريض يقف أشهر طوال في انتظار دوره في العلاج، ولضاقت خزائن الأموال بما فيها.!