الفساد موجود في أي مكان، لكن تتفاوت درجة التشديد والرقابة، وهناك تجارب دولية قطعت شوطا كبيرا في التضييق على الفساد، وهذه التجارب يمكن الإفادة منها في أي مكان، لكن هناك دواعي تدفع الموظف إلى الفساد، هذه الدواعي هي في مجملها سلسلة، ويجب التعامل معها على أنها كذلك، فالقبض على موظف فاسد في دائرة حكومية هو قبض على عنصر فاسد ضمن مجموعة أكبر تدير عمليات الفساد.
جزء كبير من مافيا الفساد في البلاد يتحمل المواطنون مسؤوليته، ومن غير المقبول أن نصدر تهمة الفساد ونلصقها بالوافدين، فمن يشتري ما يختلس من الجهات الحكومية مواطنون في الغالب، ومن يرخص أعمالا تجارية لغرض إصدار تأشيرات تباع في السوق مواطنون أيضا، كما أن الموظف الذي يسهل هذه الإجراءات مواطن، والجهة الرقابية التي من المفترض أن تتابع كل ما يخل بالوظيفة التي أوكلت إليها موظفوها مواطنون، وتراخيهم في تطبيق مهامهم هو ما شجع الفاسد على ممارسة نشاطه دون خوف، والسلسلة تطول.
أما الدواعي إلى ذلك فدائما تفسر بأنها حاجة الفاسد إلى المال، وهي حاجة تفرضها ظروف حياتية، لكنها في النهاية لا تبرر الفساد والذهاب في طريقه، ومع ذلك فهي مؤشر للمسؤولين للحد من تبعاته، فهناك حاجة لمواجهة أعباء الحياة المالية في ظل التضخم الذي حول رواتب الموظفين إلى فتات، كما أن هناك حاجة إلى توفير المسكن، لكن مع تحليق أسعار الأراضي ومواد البناء أصبح المسكن حلما بعيدا عن متناول الموظف.
محاصرة الفساد ليست كلها تتبع الفاسدين، فالمعركة الحقيقية مع الفساد تبدأ بتحصين الأفراد من خلال توفير ما يحتاجونه لقطع الطريق على من في قلبه نية للفساد، فمثلما الحاجة أم الاختراع، تكون الحاجة أم الفساد أحيانا، وسد الحاجة سيقلل أعداد الفاسدين ومن ثم يقلل نسبة الفساد، ما يفتح الطريق للسيطرة عليه.
بقلم: منيف الصفوقي