في دراسة جديدة أجريت توصلت نتائجها للقول بأن المشاكل المادية والضغوطات المالية التي نواجهها تسبب اضطرابات نفسية وعقلية.
على الجانب الآخر، يرى البعض أن المشاكل النفسية هي ما تؤثر على ظهور المشكلات والضغوطات المالية التي يتعرض لها الإنسان بجانب عوامل أخرى عديدة، لذلك لا يمكننا القول بأن تدني الأجور أو الدخل هو وحده ما يمكنه أن يتسبب في تعرض الإنسان لمشكلات الانتحار أو أي مشكلة نفسية أخرى.
هل تتسبب الضغوطات المادية والمالية في الاضطرابات النفسية؟
ترى الدكتورة سماح جبر ” رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية ” أن هذا السؤال عادةً ما يدور في أذهان العديد من الناس الذين يروا أن المشاكل المادية والمالية هي أساس الفقر والمشاكل النفسية، بينما يرى آخرون أن المشاكل النفسية هي ما تؤثر على ظهور الفقر والضغوطات والمشاكل المالية والمادية للإنسان، لذلك فإن الإجابة على هذا السؤال لا تُعد محسومة إلى حد كبير بسبب وجود دراسات بنتائج متناقضة تخص هذا الشأن، كما أن الدراسات التي تناولت العامل الاقتصادي والاجتماعي كأحد المتغيرات التي جرت في أماكن مختلفة لا تعتبر قاطعة بأن الفقر مرتبط بمشاكل الصحة النفسية، حيث أن هناك مؤشرات أخرى تشير إلى أن الأشخاص المديونين لديهم مشاكل صحة نفسية لكن في بيئات أخرى مختلفة يمكن أن تكون المشاكل المادية والمالية محايدة تماماً وليس لها علاقة بالضغط النفسي الذي يتعرض له الإنسان.
مضيفةً: على سبيل المثال، هناك دراسة أجريت هنا في البلد والتي أثبتت أن المشاكل الاقتصادية ليست هي العامل الأهم في مشاكل الصحة النفسية وإنما في بلدان أخرى تُعد المشاكل الاقتصادية عاملاً رئيسياً ومرتبطة كثيراً بمشكلات الصحة النفسية، وخاصةً إذا كان الإنسان يعاني من كثرة الديون وعليه حكم اجتماعي بأنه فقير مقارنةً مع من حوله، كما يراه الآخرون كأنه شخص لا يعتمد على نفسه وإنما يعتمد فقط على غيره، وهناك ألقاب معينة مرتبطة بالفقر تصاحب هؤلاء الأشخاص وتضعهم في مكانة اجتماعية أقل، وبالتالي فهي ضارة بصحتهم النفسية.
كيف يجب التعامل مع الضغوطات المادية للوقاية من الاضطرابات النفسية؟
هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون من الضغوطات المالية والأزمات المادية الشديدة، ومن ثم فإن هؤلاء الأشخاص قد يتجهون إلى القيام بردات فعل عنيفة أحياناً أو الدخول إلى حالات الانتحار نتيجة الديون الزائدة، أو على سبيل المثال عدم القدرة على دفع أقساط المدارس أو عندما يكونوا غير قادرين على إطعام أولادهم إلخ إلخ…تُعد هذه الحالات واحدة من القراءات الاجتماعية للإقبال على الانتحار ومشكلات الصحة النفسية، لكن هذا الأمر غير قطعي لأنه مركب بطريقة أكثر من ذلك نتيجة تفاعل العديد من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والخاصة بالإنسان مع العوامل الشخصية، ومن ثم تؤثر في نهاية الأمر عليه وتقرر ما إذا كان هذا الشخص سيُقبِل على الانتحار أو يتعرض إلى أي مشاكل أخرى تخص الصحة النفسية أم لا.
أما عن طريقة التعامل مع مثل هذه المشكلات فيمكننا القول أننا نتمنى لو وُلدنا جميعاً أغنياء ولكن هذا واقعياً يعتبر صعب إلى حد كبير.
هناك واحداً من مجالات علم النفس وخدمات الصحة النفسية الذي يُسمى MHPSS والذي يفترض أننا لا نستطيع أن نقدم أي خدمة صحية متخصصة بدون الاكتفاء الأوَّلي للأشياء الأساسية.
على سبيل المثال، عندما يُهجَّر بعض الأشخاص نتيجة الحروب فلا يمكننا إجراء إعداد لأشخاص ما للتعبير عن رأيهم وعن مشاعره دون أن نتأكد أولاً من أنهم يملكون مأوى أو خيمة وطعام وشراب كافي، لذلك يدرك مقدمي خدمات الصحة النفسية وعلم النفس أنه بدون كفاية الاحتياجات النفسية فإن التدخلات المتخصصة هي ليس لها أي معنى أو مغزى.
على الجانب الآخر، ندرك جيداً أنه ليس كل شخص يعاني من مشاكل مادية ومالية يعاني بالضرورة من مشاكل صحة نفسية حيث هناك بعض الأشخاص الذين لديهم عوامل شخصية مرتبطة بالصلاة أو المرونة النفسية، ومن ثم فإن هؤلاء الأشخاص بالرغم من فقرهم القاسي لديهم الثقة الكافية في أن يعتمدوا على مهاراتهم الشخصية وعلى ظروف مساعدة متاحة في بلاد توفر لهم الحد الأدنى من العناية بالفقراء لأن يتجاوزوا هذا الأمر، وهذا ما نلاحظه في المراجعات النفسية التي تُقدَّم للاجئين في كثير من البلدان.
ما هي العوامل التي تزيد من تقبُّل الآخر لمشاكله المادية والتعامل معها؟
إنني لا أؤيد الدراسة سابقة الذكر والتي تفيد بأن الشخص الذي يعاني من مشاكل مادية ومالية يعاني من مشكلات وضغوطات نفسية حيث أن هناك ارتباط بين المشاكل الاقتصادية والمالية بالمشاكل النفسية لأن هؤلاء الأشخاص يعانون 3 أضعاف الآخرين من حيث مشاكل الصحة النفسية.
إلى جانب ذلك، هناك بعض العوامل التي قد يتقبل بها الإنسان فقره ومشاكله الاقتصادية دون أن تؤثر عليه والتي من بينها:
- إن الشخص الفقير الذي نشأ في بيئة فقيرة حتماً لا يشعر بأي مشاكل نفسية بين هؤلاء الأشخاص الفقراء من حوله ولا يُطلَق عليه الألقاب، لأن معظم الأشخاص الذين يعانون من مشاكل مادية ومالية يُطلق عليهم بعض الألقاب الغير مقبولة بالنسبة إليهم وهو ما يزيد الأمر صعوبة ويتسبب في ظهور مشكلات نفسية أخطر، لذلك ليس بالضرورة أن يعاني الفقير قليل الدخل من مشكلات نفسية كبيرة ولكن قد تزيد نسبة تعرضه للمشكلات النفسية إذا قورن بمن حوله ووُجد أنه أكثر فقراً أو الأقل دخلاً بينهم.
- يمكن للعامل الجغرافي أن يؤثر على ظهور المشكلات النفسية عند الإنسان، حيث على سبيل المثال الفلسطينيون الذين يسكنون داخل جدار القدس يختلفون عن خارج الجدار، ونلاحظ أن الأشخاص داخل الجدار وضعهم الاقتصادي أعلى من خارجه إلا أنهم يعانون من مشكلات صحة نفسية بنسبة أكبر عن من يسكنون خارج الجدار، لأن خارج الجدار يشعرون بتواصل وانتماء أكثر لبقية المجتمع الفلسطيني بعكس الفلسطينيون داخل الجدار الذين يعانون من المحتل الاسرائيلي.