«هي المسؤولة»، عبارة ترمى، كما نرمي عن ظهورنا المسؤولية، الحديث هنا عن التحرش بالفتيات، فالصورة لدينا أن المرأة هي المسؤولة عن عملية التحرش التي تتعرض لها بعض النساء في الأسواق، ومن يرمي المسؤولية على المرأة لم يكن حاضرا حين وقعت الحادثة، لكن هذا الشاهد الغائب لا ينفك في التدليل على مسؤولية المرأة عن الحادث، فيتناول لباسها، فيصفه بالمثير، ويتحدث عن مشيتها المتمايلة، وعن غنجها في الكلام، وكأنه من تحرش بها!.
هذا المشهد الذي يصوره البعض دون إحساس بالمسؤولية والإنصاف، يضاف إليه خيال واسع، فنحن في المملكة ولسنا في مكان آخر، ولا أعلم كيف حكم على الملابس بالمثيرة، وكأنه مكشوف عنه «العباءة»، ولا أدري ما تصنيف خبير الخطوات لأنواع المشي، حتى نعلم الفاضح منها فنتجنبه، ولا ما طبقة الصوت التي يجب على النساء ضبط أصواتهن عليها للخروج مما يصنفه بأنه غنج.
أما عدالة الموقف، والتسرع في الحكم، فهما من سمات بعض مجالسنا، فما إن ترمى فيه قضية للنقاش، حتى تتوالى الأحكام في الصدور، وهي أحكام حين تسمعها تخال نفسك جالسا مع أحد صناع الحدث، أما الدخول في النوايا فحدث ولا حرج، وكل شيء قابل لتفسير النوايا، التي تدعم الأحكام المسبقة.
لكن السؤال المهم أليس في بيوتنا نساء تنطبق عليهن مواصفات المسؤولية السابقة، أي أن هذا المتهم أو ذاك لديه أخت أو زوجة تمشي كما تمشي النساء، وتلبس وتتكلم مثلهن، فهل هذه المواصفات مسوغ للاتهام وتحميل المسؤولية؟
قليل من التفكير بشمول أوسع من شأنه أن يكف بنا عن مثل هذه المزالق، ومن شأنه أن يجعلنا نعيد التفكير في أحكامنا المسبقة، وأن ننزل الأمور على أنفسنا، فما لا نقبل أن يقوله الآخرون عن محارمنا من اتهامات جزافية لأحداث لا نعلم تفاصيلها سيجعلنا نكف «بلانا» عن الآخرين، ونعي أن الدنيا دوارة، وأن من نتهمها اليوم بأنها سبب التحرش، قد تكون في الغد أختا أو زوجة، فكيف سندافع عنها ليس أمام المجتمع بل أمام أنفسنا؟
بقلم: منيف الصفوقي
سأضع أدناه بعض المقترحات أيضًا..