يطلب الإخوة الخطباء كثيرًا من الخُطب التي تحاول حثّ الناس على استيعاب خطورة هذا الأمر، وتدارك مدى فداحة تجاهله، نعم؛ إنه المداومة على الطاعة بعد رمضان، وما يُمثله من نقاط يجب أن يقف عندها القاصي والدَّاني. فكما يتحدَّث الأئمة في الجوامع عن الاستعداد لهذا الشَّهر المبارك، ثم اغتنام أيامه ولياليه، فإن ما بعده في غاية الأهمية أيضًا.
لذلك؛ أهديكم خطبة الجمعة هذه، كنَوع من المساعدة.
عناصر الخطبة
- وداع شهر رمضان يكون بالدعاء إلى الله ﷻ بقبول الأعمال الصالحة، والعزم على المداومة عليها بعد رمضان.
- شهر رمضان مدرسة عظيمة، يتعلم فيها المسلم الصبر على الطاعات، واجتناب المعاصي، ويجب أن يستمر هذا بعد رمضان.
- بعد كل دورة علمية أو تدريبية هناك تقييم فهل سألنا أنفسنا ماذا استفدنا؟ ام هل قصرنا؟ هل وجدنا عبادات وقراءة قرآن وصدقات وأعمال صالحة؟
- من علامات قبول الطاعات في شهر رمضان، إتباعها بالمداومة على الطاعات بعده.
الخطبة الأولى
الحمد لله..
لقد ودّعنا شهر رمضان المبارك وودعنا معه لحظات الاجتهاد في الطاعة والعبادة، لحظات يبكيها من تلا القرآن واستمتع بآياته العذبة، لحظات يبكيها المعتكف في معتكفه لحظات يبكيها من أقبل على الله، رحل شهر رمضان المبارك، وقلوبنا عليه حزينة والدمعة في أعيننا، نتمالك أنفسنا قبل أن تسقط على رحيله.
فيا عينُ جودي بالدمعِ من أسفٍ
على ليالٍ لشهرِ الصومِ ما جُعِلتعلى فُراقِ ليالٍ ذاتِ أنوار
إلا لتمحيصِ آثامٍ وأوزار
عباد الله؛ لقد علّمنا شهر رمضان أننا نستطيع أن نبكي من خشية الله، وأن نذرف الدمع بين يديه، وأن نجهش في صلاتنا بالبكاء، وعلّمنا أننا نستطيع أن نقوم الليل ونصوم النهار ونكثر من قراءة القرآن، وعلّمنا أننا نستطيع أن نديم المكث في المساجد، وعلّمنا أننا نستطيع أن نترك كثيرًا من شهواتنا ورغباتنا فما منا من أحد صام رمضان إلا وذاق حلاوة الطاعة وحلاوة شرح الصدر وسرور القلب، عرفت فالزم، إلزم هذا الدرب المنير ففي الحديث: «يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملُ حتى تملوا وإنَ أحب الأعمال الى الله ما يدوم عليه صاحبه».
وفي الحديث الآخر الذي ترويه السيدة عائشة –رضي الله عنها– حيث قالت: «كان رسول الله ﷺ اذا عمل عملا أثبته»، لذا يجب علينا أن نجتهد في لزوم الحق والاستقامة عليه حتى نلقى الله ﷻ يقول الله ﷻ: ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾، وهذا رسول الله سيد ولد ادم يؤمر بالاستقامة والاستمرار على طاعة ربه، قال الله ﷻ ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون﴾.
ها هو حال أهل الاستقامة الذين استقاموا على طاعة ربهم حتى وافتهم المنية وقال الله ﷻ ﴿فاستقم كما أمرت ومن تاب معك﴾ فاستقم على أمر الله وكن ربانيا.
عباد الله؛ إن عبادة الله واجبة في كل وقت وليس لها نهاية إلا بالموت. قال ﷻ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، وقال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وقال النبي ﷺ: «إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ».
فهنيئا لمن زكت في رمضان نفسه، ورق فيه قلبه، وتهذبت فيه أخلاقه، وعظمت فيه للخير رغبته، هنيئا لمن كان رمضان عنوان توبته وساعة عودته واستقامته، هنيئا لمن عفا عنه العفو الكريم، وصفح عنه الغفور الرحيم، هنيئا لمن أعتقت رقبته وفك أسره، وفاز بالجنة وزحزح عن النار.
لنجعل من تمام شهر الصيام مفتاحا الى الطاعات ومجانبة لمجالس السوء والخطايا فمن لزوم بقاء النعم ودوامها أن تشكر فلا تكفر فشكر النعم موجب لزيادتها بوعد الله ﷻ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ ولذلك كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: “عليكم بملازمة الشكر على النعم فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم” فاللهم لك الحمد أن يسرت لنا تمام شهر الصيام وقيامه ونسألك أن تجعلنا من المقبولين المعتقين من النار.
⬛️⇐ وهذه أيضًا: خطبة ماذا بعد رمضان مكتوبة ومؤثرة
الخطبة الثانية
عباد الله: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
إن من علامة قبول الطاعة إتباعها بطاعة، ونحن في رحاب شهر شوال، وقد وجهنا وحثنا الحبيب ﷺ على المبادرة بصيام ستة أيام من شوال حتى يكتب لنا صيام السنة كلها فالصيام عبادة مستمرة على مدار العام، فلا تنقطع بانقضاء رمضان، فقد كانت في رمضان على سبيل الفرض الواجب، وبعد رمضان تكون على سبيل الندب والاستحباب، فقال ﷺ: «من صام رمضان ثم اتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر» فالأعمال الصالحة كلها لم تنقطع بانقطاع رمضان فقد كان النبي ﷺ من أعظم الناس شكرا لنعم الله ﷻ فكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقيل له لم تفعل كل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا».
ويُسن للمسلم أيضاً أن يواظب على صيام الاثنين والخميس، والأيام البيض، وعاشوراء، وعرفة وغيرها، ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾، ولئن انتهت صدقة وزكاة الفطر فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة والتطوع كثيرة، وقراءة القرآن وتدبره ليست خاصة برمضان، بل هي في كل وقت، وهكذا فالأعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان.
فنسألك اللهم أن تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وان تجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم، والحمد لله رب العالمين.