«منذ فترة» خرجت تظاهرات في إندونيسيا تدين قانونا جديدا حول مقاومة الإباحية.. القانون يهاجم الأفعال الإباحية رغم أنه متهاود إلى درجة أن بنوده لا تعتبر ارتداء لباس البحر –المعروف بالـ “بكيني”، والذي يكشف عن كل جسد المرأة تقريبا– مخالفة قانونية أو جريمة، العجيب في الأمر أن المظاهرات لم تكن اعتراضا على ذلك، ولكنها كانت اعتراضا على أن القانون لا يزال يعتبر متحجرا، ورجعيا، ويرى المخالفون له أنه من الممكن أن يستخدمه الإسلاميون في إندونيسيا لاضطهاد الآخرين باسم الفضيلة!.
ماذا حدث لعالم اليوم؟! هل أصبحت الفضيلة جريمة، وهل أصبح من ضمن الاتهامات التي توجه للمسلمين أنهم دعاة فضيلة؟! ولماذا يعترض غيرهم على أن تشيع مكارم الأخلاق بين الناس؟!.
هناك من يرون أن حرية الملبس تعني ارتداء ما يروق لهم، ولكني لم أتوقع أن هناك من يعتقد –في عالمنا اليوم– أن المايوه “البكيني” لا يجب أن يصنف ضمن الملابس الإباحية.. إنه في الحقيقة من الصعوبة بمكان أن يصنف بالعموم ضمن الملابس لقلة القماش المستخدم فيه! ألا نستحي من الله في هذا الزمان؟ كيف أصبح البعض يرى أن الأصل في الأمور هو الفساد والفضيلة هي الاستثناء؟!.
تحت ستار التعددية
عندما أقر البرلمان الإندونيسي القانون بأغلبية نشرت بعض وسائل الإعلام العربية أنه قانون “مثير للجدل” وهو ضد الإباحية، وأن أقليات غير مسلمة عبرت عن تخوفها أن يستخدم المتشددون القانون ضدهم. هذا القانون الذي يمكن أن يستخدمه المتشددون(!) استغرق إعداده قرابة عشرة أعوام؛ لأنه يجرم الأفعال الإباحية ونشر الصور الجنسية، وجرى تخفيف بنوده عدة مرات وسط خلافات حول تعريف الأعمال الإباحية، كما تم تنقيح (هكذا نشرت وكالات الأنباء العربية!) مشروع القانون عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة، بحيث أصبح يسمح في صورته الحالية بارتداء لباس البحر البكيني في المنتجعات السياحية. وتضيف وكالة أنباء عربية: “ويعد القانون مبادرة من أحزاب إسلامية مبررة أن الشعب يطالب بحماية ضد التأثيرات اللاأخلاقية”.. الأمر يحتاج إلى تبرير في نظر الإعلام العربي الذي نقل الخبر لنا!.
يقول منتقدو القانون إنه يمكن إساءة استخدامه ضد الأقليات الدينية في البلاد من المسيحيين والهندوس وإنه يهدد التعددية الثقافية في البلاد.
إن منع الأفعال الإباحية.. سيؤدي إلى تهديد التعددية في أكبر بلد مسلم في العالم! ألا يعني ذلك بصورة أخرى أو من وجهة نظر مقابلة أن التعددية المقصودة هنا تعني حرية الإباحية! أي حرية التخلص من أي رقيب أخلاقي حتى ولو كان القانون المدني؟ وهل من الممكن قبول ذلك في إطار التعددية؟
إنني أستحي أن أكتب مقالا حول موضوع لباس البحر البكيني، ولكن ما دعاني إلى ذلك هو أن في بلادنا المسلمة من يريدون خلط الأوراق بحجة التعددية. أنا لا أعرف أن المسيحية –حتى بصورتها المحرفة– في بلادنا تقبل بالإباحية تحت ستار التعددية.. ولا أعرف أن الهندوس يقبلون بالإباحية تحت ستار التعددية. إننا أمام فريق من الناس في عالم اليوم يريدون إشاعة مفاهيم الانحراف في المجتمعات بدعوى باطلة حول التعددية، أنا أفهم الحديث حول التعددية في إطار الفكر والثقافة والعمل السياسي، بل وفي الاعتقاد الديني كذلك، أما التعددية في الإباحية، فهذا ما لا أعرف أبدا أنه يدخل تحت هذا التصنيف في مجتمعاتنا، وأرى أهمية التصدي له، وبكل حزم في عالمنا المسلم.. بالوسائل السلمية والقانونية والمتعقلة بالتأكيد.
قانون الفطرة
إن مكارم الأخلاق ليست حكرا على المسلمين، ولا يجب أن نقبل أن تكون حكرا عليهم فقط حتى لو وافق هذا هوى في نفس بعض الإسلاميين؛ لأنه يعطي قدرا من الإحساس بالتفوق على الغير. إن هذه الأمة يجب أن تبقى دائما داعية إلى الفضيلة بين كل البشر، وليس بين المسلمين فقط أو في عالمنا العربي والإسلامي. يجب في ظني أن ندعو كل البشرية إلى مكارم الأخلاق، وأن نكون قدوة في ذلك، فقد كان تاريخنا دائما يعلي من شأن مكارم الأخلاق ويدعو لها.
والتعري ليس من مكارم الأخلاق في أي شرع، ولا لأي شعب من شعوب العالم المعاصر والمتمدن كما أعرف ويعرف الجميع. نعم يحدث التعري للمرأة والرجل في بعض المجتمعات المعاصرة، ويتم قبوله في بعض مجتمعات العالم.. ولكن لا يتم ذلك أبدا تحت شعار مكارم الأخلاق.. إنه يتم دائما تحت شعار الحريات الشخصية المفترى عليها.
فالقانون في أمريكا يمنع إظهار ما اصطلح عليه عندهم بأنه عورة في الأماكن العامة، ويعاقب عليه القانون بعقوبات مباشرة ورادعة، ونفس الحال في معظم دول الغرب التي تنتشر فيها أشكال مختلفة من الإباحية تحت مسمى الحريات الشخصية، ولكن حتى في تلك البلدان هي حريات لها حدود. لقد تركوا لأنفسهم، دون خالقهم، أمر تحديد هذه الحدود، ولكنها في النهاية حدود تندرج تحت مسمى الفضيلة العامة حتى في تلك المجتمعات، فالفضيلة هي فطرة الإنسان، ويجب أن نذكر البشرية دائما بذاك.
هناك من يستخدم التعددية في عالمنا المسلم لكي يقنن بها شيوع الفساد والإفساد، فإن قال أحد إن التعري والتلوي في بعض الفضائيات لا يليق ولا يجوز ولا يقبله أي قانون.. هاجمه هؤلاء لأنه يحارب التعددية، ويقال له إن لم يعجبك هذا فهناك قنوات أخرى اذهب إليها وشاهدها، ولا تشاهد هذه الفضائيات الغنائية إن لم يرق لك ما فيها، وهذا كلام ظاهره التعددية، ولكن يراد به الباطل بلا أدنى شك.
إنهم يتطهرون!
الحرية الشخصية ينظمها المجتمع وفق مرجعياته العقدية والقانونية والأخلاقية، ونحن في بلاد لا تقبل فيها الأديان ولا القوانين ولا الأخلاق ما يحدث الآن.. الأمة بمسلميها ومسيحييها ترفض أن تنتهك مكارم الأخلاق، ولا تزال ترجع في أحكامها الأخلاقية والاجتماعية والشخصية إلى الدين، سواء كان ذلك الدين هو الإسلامي أو المسيحي في بعض البلدان. الحرية الشخصية لابد أن تنصاع لقوانين مجتمعاتنا، وهي قوانين بنيت على الدين، ولا تنفصل عنه في قضايا الأخلاق والأحوال التي أصبحت تسمى الأحوال الشخصية.
نعم لكل مشاهد أن يختار ما يشاهد من قنوات، ولكننا أمة تغار على أبنائها وبناتها، ولا تعصي الخالق وتقنن إشاعة الفساد، وليس في ذلك من عيب. ما العيب إن استنت كل بلادنا العربية والإسلامية قوانين تحترم الأخلاق العامة، وتعلي من شأن مكارم الأخلاق؟! ما العيب أن يكون كل ما نشاهده في بيوتنا من قنوات يجمع بين التعددية وبين الحث على القيم الإنسانية المقبولة، ولا يدعو إلى الرذائل أو يشجع عليها؟! هل في ذلك خطأ ما؟ وهل هذا مما أصبح يوصم بالإرهاب؟!.
إن كان في عالم اليوم من يتهم الداعين إلى مكارم الأخلاق أنهم غلاة فهذا أمر غير جديد، وهو يسير على طريق من أخبرنا عنهم القرآن ممن اتهموا أتباع نبي الله لوط بتهمة شنعاء، وطالبوا بإخراجهم ونفيهم، والجريمة: ﴿إنهم أناس يتطهرون﴾، ماذا كانت عاقبة أتباع الأنبياء، وكيف انتهى الحال بدعاة الانحلال؟ ألا نتعظ ونحسن الاختيار؟!.
بقلم: د. باسم خفاجي
⇐ واقرأ أيضًا المزيد من المقالات: