نعم؛ يجدر بالمسلم أن يدعو لأولئك الضعفاء المساكين؛ اللهم هون برد الشتاء على من لا مأوى له. واعلموا يا عباد الله أن الذي أعطانا لقادر على أن يمنعنا، وأن الذي كتب البلاء على أقوام لقادير على أي يبدل رخانا ضُرّا وأمننا خوفا (فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
نعم عباد الله، تعيشون في بيوتكم وبين أولادكم ونسائكم، وتعرفون قيمة هذه النِعم. ولو سِرتُم وذهبتم إلى المخيمات في هذه الأجواء الباردة لعرفتم الحال الذي هُم عليه. فلا ننسى في مثل هذا الشتاء وفي مثل هذا البرد من هم في أمَسّ الحاجة إلى مد يد العون والمساعدة لهم.
عباد الله؛ الذين اكتووا بصقيع البرد ولهيب الزمهرير ونار الحرب.
أتدري كيف جارك يا ابن أمي — يهــدده مـن الفقـر العنـاء
وكيـف يـداه ترتجفان بؤساً — وتصدمـه المذلّـة والشـقـاء
يصب الزمهريـر عليـه ثلجاً — فتجمد فـي الشـرايين الدمـاء
هـذا الآدمـي بغـيـر دار — فهل يرضيك أن يزعجه الشتاء
يجوب الأرض من حي لحي — ولا أرض تـقيـه ولا سمـاء
معاذ الله أن ترضـى بهـذا — وطفـل الجيـل يصرعه الشتاء
أتلقاني وبي عـوز وضـيق — ولا تحـنو؟ فمنـا هذا الجفـاء
أخي بالله لا تجـرح شعوري — ألا يكفيـك مـا جـرح الشـتاء
اللهم قنا زمهرير جهنم
في سريّة كان الحبيب عليها -عليه الصلاة والسلام-. هذه السرية تسمى بسرية ذات الرقاع. أتدرون لماذا سميت ذات الرقاع؟ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- يروون أنهم لما عادوا من شدة البرد تساقطت أظافر الأيادي والأقدام.
وكانوا يلفون أقدامهم وأيديهم بالخِرق والتساخين والجلود حتى تدفأ قليلا. تساقطت تلك الأظفار من شدة البرد؛ نعوذ بالله من زمهرير جهنم..
هل أصابكم مثل ما أصابهم؟ ألا نحمد الله على هذه النعمة!
في الشتاء إذا أردنا أن نفتح درج الملابس لأحدنا، نراه قد غَصّ؛ والبطانيات واللُّحُف. وإذا أراد الطفل أن يخرج، تجد الأم ألبسته من الفتائل والبيجامات والبِدَل، وتلف رأسه، وتحنكه بلفافة حول عنقه.. إلى غير ذلك.
احمدوا الله على الشتاء وأنكم تستطيعون مكافحته.
مما يُنقل؛ أن الزمخشري -وهو من علماء اللغة، صاحب الكشاف- أن أحد قدميه بُتِرَت. أتدرون لماذا بترت؟ لأنه أصابه برد شديد. فتعفنت، وماتت، فبترت حتى لا يسري الموت إلى بدنه.
ربي لك الحمد. من الذي منا يشتكي ويبكي من البرد؟ يشتكون أولئك الذين في العراء؟ يشتكون إخواننا في العالم كله ممن لا يستطيعون أن تُكِنَّهم بيوت، فلا بيوت. في خيام، والبعض لا خيام. فاحمدوا الله واشكروا الله واجعلوا هذا الشتاء جنَّة الاستغفار والحمد على هذه النعمة.
اللهم هون برد الشتاء على من لا مأوى له
ألا فاتقوا الله أيها المسلمون، فإن الله سائلكم عن هؤلاء. كونوا عونا لإخوانكم، وكونوا عونا لهؤلاء المساكين الضعفاء. أدعوا لهم، فقد اجتمع عليهم من البلايا والرزايا ما الله به عليم.
اللهم يا مُجير الضعفاء ويا عظيم الرجاء، يا عزيز يا جبار، يا ذا الجلال والإكرام؛ اللهم إليك نشكو ضعفنا وقلة حيلتنا. اللهم إنا نسألك يا الله أن تغيث هؤلاء المساكين الضعفاء. اللهم أغِثهم، اللهم اكشف عنهم الكرب، وعجّل لهم الفرج، وأنزِل عليهم صبرًا من عِندك يا رب العالمين. اللهم هون برد الشتاء على من لا مأوى له.
اللهم ثبّت أقدامهم، اللهم امنن عليهم بالأمن والأمان والإيمان يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين.