قالت لي امرأة أمريكية ذات مرة: لماذا تكتبون أيها العرب بالمقلوب؟ فالناس والعالم يكتب من اليسار لليمين وأنتم تكتبون من اليمين لليسار؟! ثم أضافت «هذا شيء غريب».
أخذتني الدهشة عند هذا السؤال لأول وهلة.. فقلت لها: «لماذا أنتم تكتبون بطريقة مقلوبة.. فالعالم يكتب من اليمين لليسار؟! هذا هو الشيء الغريب».
قلت لها إن سؤالك المتضمن للجواب يوحي بكثير من المركزية الغربية تجاه الأشياء، فهل ينبغي لكل الكون أن يكتب ويفكر ويرسم الأشياء بنفس الطريقة التي تكتبون وإلا فسيصبح غريبا؟ هل الطبيعي أن يكتب الناس من اليسار لليمين كما تكتبون وإلا فسيصبح غريبا وشاذا وغير طبيعي؟
هناك لغات كثيرة قديمة وحديثة تكتب من اليمين لليسار كالعربية والفارسية والأردية والتركية القديمة والمالوية القديمة والعبرية، ولغات أخرى تكتب من اليسار لليمين كاللاتينية وهي التي اشتقت منها الفرنسية والإنجليزية وبعض اللغات الأوروبية الأخرى، وثمة لغات ثالثة تكتب من الأعلى للأسفل كالصينية القديمة واليابانية القديمة والكورية القديمة.. وغيرها.
فهل بعد كل هذه العوالم المختلفة واللغات المتعددة يكون «الطبيعي» هي اللغة الإنجليزية التي تكتبون بها.. فقط لأنكم اعتدتم عليها ونشأتم بها وقرأتم الأشياء من خلالها؟!
هل تعتقدون أنكم مركز الكون؟! الشعوب الأقل فهما للتعددية وللحضارات المختلفة وللتاريخ هي التي تعتقد أن الشيء الذي نشأت عليه وعرفته هو الشيء الوحيد الطبيعي والسليم والصواب في العالم.. وأن ما عداه «شيء» آخر مقلوب وشاذ وغير طبيعي.
لقد جلبت ثقافة التنوير على حسناتها الكثيرة للغرب والعالم فكرة أن التنوير شيء محدد أحادي المفهوم ودقيق التفسير وغير قابل للجدل، ليقول للغرب في فترة ما بأن كل هذه المنجزات الفكرية والحضارية ذات بعد واحد، وأن العالم عليه أن يفكر كما تفكرون لكي يكون متحضرا، وهذا ما جاءت به أفكار ما بعد الحداثة لمقاتلته والتشكيك فيه.
بقلم: عبدالله العودة