حرصت الشريعة الإسلامية كل الحرص على أن تكون العلاقة بين الزوجين قوية متينة، مفعمة بالحب المتبادل والمودة والرحمة وحسن الظن، وبينت كل السبل التي يجب أن يسلكها كلا الزوجين لتحقيق ذلك الهدف السامي، فحثت على التعاون والتراحم بين الزوجين، ودعت إلى التسامح وعدم تصيد الأخطاء والتغاضي عن النقائص والعيوب التي قد يبديها أحد الطرفين للأخر، ومن الأمور التي تعكس حرص الشريعة الإسلامية الواضح جدا على سلامة تلك العلاقة وقوة مظهرها وجوهرها معا، أن رخصت الكذب في حديث الزوجة مع زوجها وحديث الزوج مع زوجته، ويبدو أن هذه الرخصة فُهمت خطأ من قبل البعض وأسيئ استغلالها، ومن ثم فقد آثرت أن يدور هذا المقال في فلك تلك القضية، وأن يتضمن توضيحا لعلة تلك الرخصة، وبيان بالأثر السيء الذي قد يترتب على سوء الفهم والتطبيق لها، وبيان الأثر الطيب على العلاقة الذي قد يترتب على فهمها بصورتها الصحيحة والأخذ بها وفقا لضوابطها الشرعية.
الأدلة الواردة على جواز الكذب بين الزوجين
روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرًا وينمى خيرًا)، وروي عن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط –رضي الله عنها- أنها قالت –فيما معناه- : ( لم اسمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها) أو كما قالت –رضي الله عنها-.
وفي رواية أخرى عن أسماء بنت يزيد أنها قالت: (قال رسول الله –صل الله عليه وسلم- : لا يحل الكذب إلا في ثلاث) وذكر منها كذب الرجل على زوجته ليرضيها.
نطاق استغلال تلك الرخصة والعمل بها
تعتبر هذه الرخصة من الرخص التي يعلمها الكثير منا، ويحتج بها ليبرر كذبه وسوء نيته، وهنا يجب أن توقف لنوضح أمرا هاما وهو متى يجوز استخدام تلك الرخصة وفي أي مقام؟ هل يجوز أن تخرج المرأة بدون إذن زوجها، وحين يسألها تكذب عليه؟ أم هل يجوز مثلا أن تدخل بيته من يكره، ثم تكذب عليه؟ وهل يجوز أن يتزوج الرجل بامرأة أخرى بدون علم زوجته وحين تسأله ينكر ويكذب عليها؟ وهل يجوز أن يكذب الرجل على زوجته ليمتنع عن التزامه بالنفقة عليها؟ وغيرها الكثير من الأمثلة التي تشترك جميعها في جواب واحد، وهو بالطبع لا يجوز ذلك مطلقا، ويدخل ضمن باب الغش وعدم الأمانة والمخادعة.
إذن متى وأين يجوز استخدام تلك الرخصة؟ وضعت الشريعة بعض الضوابط لاستخدام هذه الرخصة ويمكن أن نجملها فيما يلي:
أن يكون الكذب الذي نحن بصدده في نطاق العلاقة الزوجية وما يتعلق بها من المشاعر والعواطف، بمعنى أن الزوجة مثلا التي تحمل لزوجها شيئا من الجفاء أو الرفض، أو لا تشعر تجاهه بالحب والرغبة –التي من المفترض أن تكون متأصلة في العلاقة بين الزوجين- لا يجوز أن تصرح لزوجها بذلك الرفض أو تظهر له كراهة العيش معه أو عدم رغبتها في وصله، فهذا من شأنه أن يوغر صدره، وينفره منها ويزيد المشكلة سوءا، وربما يؤدي إلى انهيار الحياة الزوجية تماما.
والعكس صحيح، فأي من الطرفين لا يحتمل الحياة مع شخص يصرح له برفضه وزهده في العلاقة، ومن ثم لا يكون لديه دافع أو حافز حقيقي يحمله على الإبقاء على هذا الزواج.
وأن يكون ذلك الكذب عند الضرورة فقط، إذ أن الأصل هو الصدق والصراحة المتبادلة.
التجاوز في استخدام تلك الرخصة
إن التجاوز في استخدام تلك الرخصة والكذب بلا مبرر، يفقد الزوجين الشعور بالثقة والأمان، وهي من الأمور الضرورية جدا لاستمرار الحياة، فليس هناك اسوأ من حياة تجمعك بشخص كاذب.
كيف يكون الكذب بين الزوجين سر سعادتهما؟
حينما تكذب الزوجة على زوجها مدعية أنها تحبه وتحترمه وأنها تشتاق إليه، إلى غير ذلك من الأمور، وحين يكذب الزوج على زوجته، مدعيا أنها أجمل من رأى من النساء وحين يدعي أنه يحبها ويغار عليها ويهيم بها شوقا، فإن هذه الكلمات لا تؤثر على المخاطب وحده ولا تسعده وحده، بل إن المتحدث بها مع التكرار، يطمئن لها ويصدقها عقله الباطن، فيبهت الصراع الحاصل في نفس القائل بين ما يعلم أنه حقيقة وبين ما يردده كذبا، حتى يصدق نفسه وتشرق روحه بتلك الكلمات الطيبة التي يرددها على مسامع شريكه، وتحصل الألفة بينهما.