وهل ثمة احتساب على كتاب؟ الكتاب السيئ لا يهدم القيم.. الكتاب السيئ يدفعك لقراءة كتاب آخر أكثر جودة ويخلق لديك حسا نقديا ووعيا أصيلا. لا أعرف قارئا يقصد شراء وقراءة كتب الشر التي يحتسبون على منعها، كل ما أعرفه أن العربي بدأ وعلى استحياء يقرأ.. أن تفطموه الآن ذلك من المضحكات المحزنات.
يا سادة شرعوا أبوابكم ونوافذكم المغلقة منذ قرون لمعارف العالم ولمعارفكم، جربوا ولو لعام أو عامين أن تقرؤوا كل شيء وأي شيء، اختبروا عقولكم، كونوا واثقين بأنفسكم، الشيطان يكمن في الجهل، جربوا أن تقرؤوا السير، سير ابن حنبل وابن تيمية والغزالي وابن رشد وعباس العقاد والعظماء الآخرين، ستجدون خلف كل عظيم كتبا، كتبا كثيرة ومتنوعة.
في مقدمة كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة الأديب والفقيه والمؤرخ العربي المتوفي عام 276 من الهجرة كلمات بديعة منها قوله (وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة وما روي عن الأشراف والأئمة فيهما، فإذا مر بك أيها المتزمت حديث تستخفه أو تستحسنه أو تعجب منه أو تضحك له فاعرف المذهب فيه وما أردنا به، واعلم أنك إن كنت مستغنيا عنه بتنسكك فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه محتاج إليه، وأن الكتاب لم يعمل لك دون غيرك فيُهيًّأ على ظاهر محبتك، ولو وقع فيه توقي المتزمتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل إليه معك، وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين، وإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج أو وصف فاحشة فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع على أن تصعر خدك وتعرض بوجهك، فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم وإنما المآثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب.. فتفهم الأمرين وافرق بين الجنسين).
بقلم: سعيد الوهابي