تمثل اليابان (بلاد الشمس المشرقة) حالة فريدة في العالم؛ إذ إنها تجمع التقدم التقني مع الانضباط والحفاظ على التراث القومي التاريخي.
شدني كثيرا ما شاهدته على القناة الفضائية اليابانية من مشاهد الزلزال المدمر وفيضان التسونامي التي صورت أثناء وقوعها، فلله الأمر من قبل ومن بعد، يرينا آياته ليعتبر كل ذي عقل.
المعروف عن الإنسان الياباني كبرياؤه، فحتى في هزيمته لا يظهر انكساره، أو يفضل الموت مثل (الكاميكازي) وهو طعن النفس بالسيف تخلصا من العار حسب مفهوم المنتحر. لكن أمام عظمة الخالق وصاحب الكبرياء الحق يتبين ضعف الإنسان وهوانه مهما بلغ من تقدم وقوة. رأيت من نجوا من الزلزال وهم يغالبون عبراتهم ويبذلون جهدا لكي لا تنزل دمعة تدل على انكسارهم، ولكن الطبيعة الإنسانية تعود وتغلب الدموع، بما في ذلك مسؤولون حكوميون.
وهذه ليست شماتة وأعوذ بالله من جهل كهذا، إنما مطلوب منا الاعتبار دوما وهذا أولا، وثانيا احترام صلابة هذا الشعب وهذا مغزى مقالي، واحترام العزم على العمل والتمسك بالأمل، وكل هذا وغيره ما دفع هذا الشعب للنهوض من سقوطه بعد قنبلتي هيروشيما وناجازاكي اللتين ألقاهما الأمريكان عام 1945. لقد نهضوا من بين الركام وراحوا يجمعون كل ما تقع عليه أيديهم ويغالبون مرارة هزيمتهم تلك، متعاونين ومتكاتفين دون التفات إلى الخلف، عملوا بصمت وهدوء حتى احتلت بلادهم ثاني أقوى اقتصاد في العالم على مدى سنوات طويلة، إلى أن أتى العملاق الأصفر (الصين) التي احتلت المرتبة الثانية خلال العام الماضي لتحل اليابان ثالثا.
وإن يكن هناك انتقادات طالت اليابان حتى قبل وقوع الكارثة تتناول أداءها الاقتصادي خصوصا، فستظل عملاقا يعطي الدروس حتى من خلال الكوارث التي يقدرها صاحب الأقدار عز وجل. واللافت وصول سفينة السلام اليابانية ميناء بورسعيد لتهنئة الشعب المصري على نجاح ثورة يناير، فأي انضباط وتحضر ذلك!
بقلم: عمر الرشيد
واقرأ أيضًا: عندما تكون لغة الرصاص هي لغة الحوار