الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى أله وصحبه ومن سار على دربه واهتدى بهديه إلى يوم الدين، فنسألك يا الله أن تجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يأخذون الكتاب بقوة، ولا يحيدون عن الصراط المستقيم أبدا ما حيينا، اللهم آمين، أما بعد:
مفهوم القدوة
القدوة أن يختار الإنسان من بين من يلقاهم أو يسمع عنهم أو يقرأ عنهم، نموذجا يحتذي به، ويسلك طريقه ويحذو حذوه، وغالبا ما تكون القدوة مثل أعلى تميز في أمر ما أو برع في مجال ما، وأصبح من الناجحين المعروفين والذين يشار إليهم بالبنان، والذي تفوق في خلق أو علم أو دين.
وكلمة القدوة الأصل فيها أن تعني القدوة الحسنة والمثل الطيب، ولكن في الواقع فقد أصبحت القدوة تشمل من النماذج أسوأها ومن الخلق أفجرهم، والله المستعان.
القدوة الحسنة وأهميتها
القدوة الحسنة هي عامل من عوامل نهوض المجتمعات وتقدمها، في شتى جوانب الحياة، فمن الأمور التي جبلت عليها النفس البشرية أن تعجب بالمتميزين والناجحين وتميل إلى محاكاتهم والاقتداء بهم، وتتبع طريقتهم ومنهجهم في الحياة أملا في تحقيق مكانة مثل مكانتهم وتميزا مثل تميزهم.
ومن ثم فإن المجتمع الذي يتميز بوجد الأعلام الناجحين والعلامات المضيئة في تاريخ الإنسانية أو واقعها، غالبا ما يتأثر أفرادها ويرتقون بأنفسهم وقدراتهم وأخلاقهم.
هذا بصفة عامة أما بوجه أكثر خصوصية فإن لكل إنسان قدوة معينة ومثل أعلى، قد يكون أبا أو أما أو معلما أو فنان أو لاعب أو غيره، ونظرا لأهمية القدوة في حياة الفرد وتشكيل آرائه وميوله واتجاهاته الأخلاقية والسلوكية والحياتية، فيجب أن يحرص كل منا على انتقاء قدوته واختيار مثله الأعلى.
اجعل قدوتك محمد (صلى الله عليه وسلم)
من الرائع أن تقتدي بعالم أو عاقل أو حكيم، رأيت منه فلاحا ونجاحا وتميزا، ومن الجيد أن تقتفي سير الناجين والناجحين في امتحانات هذه الحياة، وأن تتعلم منهم وتحذو حذوهم ، ولكن الأروع أن تجعل إمامك وقدوتك ومثلك الأعلى في الحياة الصادق المصدوق، المصطفى، المعصوم، من لا ينطق عن الهوى، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
لأن كل إنسان مهما بلغ علمه وقوي شأنه فهو بشر يصيب ويخطئ، يؤخذ منه ويرد عليه، وإن كنت تعلم من حاله جانبا فيخفى عليك منها جوانب، إلا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- فهو الكامل المعصوم، الذي لا يلحقه الخطأ ولا يجوز اتهامه بالنقص.
وقد حثنا القرآن على التأسي بالحبيب ومن ذلك ما جاء في قوله عز وجل: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ ).
ويأتي بعد الاقتداء والتأسي بالنبي -صل الله عليه وسلم- التأسي بصحابته الكرام، وخلفائه العظام وقد أوصانا النبي بذلك ودلنا على أن التأسي بالصحابة سبيل إلى الهداية والنجاة، وطريق للهدى والفلاح فقال -صل الله عليه وسلم- واصفا أصحابه، مبينا مكانتهم وداعيا إلى اتباع سيرتهم والتأسي بهم: ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
إياك والتأسي بمن باع الآخرة بشهرة في الدنيا
بعض الناس يجعلون قدوتهم أشخاص عرفوا بفساد دينهم، وظلمهم لأنفسهم ولغيرهم واشتهروا بفسقهم وهذا لعمري منتهى الضلال وقمة الضياع.
أهمية القدوة الحسنة في توجيه سلوك الأفراد والمجتمعات
تعتبر القدوة أقوى أثرا وأبلغ منطقا من النصائح والتوجيهات الشفهية، والخطب الرنانة، حيث جبل الإنسان على الاقتناع والتصديق مع المشاهدة ولمس النتائج بنفسه، فالقدوة الحية، تسرد قصة من الجهود والأفعال والمسيرة وما وصلت إليه وتمخضت عنه، فتكون أوقع في النفوس وأصدق، وأدعى للاقتداء.
من ثم فحين يعرض المجتمع نماذج مشرفة لأناس اجتهدوا وبلغو ما يتمنون وكسبوا قلوب الناس واحترامهم، حققوا النجاح الذي يطمحون إليه، فإن هذا يكون دافعا قويا نحوا التميز والنجاح الاجتهاد.
أخيرا نوجه دعوة صادقة لكل إنسان واعي أن يحسن انتقاء من يحاكيهم ويقتدي بهم، وأن يكون طموحا متطلعا، يتطلع إلى مكانة العلماء والخبراء والناجحين الذين تركوا بصمتهم على ملامح الحياة، ولا ينخدع ببريق الشهرة ولمعة الأضواء فكلها قشور سطحية لا تلبث أن تنتهي وتفنى.
الحمد لله أن أرسل الله لنا من يجدر بنا الاقتداء به والسير على دربه ونحن على يقين من الصول الى النجاح والفلاح.