على غير المعتاد طلب الجد عرفان من الحفيدين حسام ومرام أن تكون جلستهما اليوم وسط الحقول والزروع بلونها الأخضر الجميل، وأشار الجد إلى النبات المزروع بالأرض وسأل الحفيدين: هل تعرفان ما هذا؟
قالا في صوت واحد: نعم هو نبات البطاطا.
قالت الجدة زينب: هل تعرفان أن البطاطا من ضمن الأطعمة المفضلة للفيل.
وهنا صاح الحفيدان: شغلنا بالحديث عن البطاطا ونسينا قصة اليوم والتي هي عن” الفيل”.
ضحك الجد عرفان قائلا: ولكنني لم أنس ذلك.
سمات الفيل:
استهلت مرام الحديث قائلة: الفيلة لديها العديد من السمات المميزة، مثل: الخرطوم الطويل الذي تستخدمه في أغراض كثيرة، والأنياب التي تكون بمثابة أداة لتحريك الأشياء والحفر، وسلاح للدفاع عن نفسها، وكذلك رفرفة الأفيال لأذنها الكبيرة تساعدها على التحكم في تغيير درجة حرارة جسمها.
وأكمل حسام ويوجد نوعان من الفيلة الفيل الأفريقي والفيل الأسيوي، وللفيلة الأفريقية آذان كبيرة وظهور مقعرة، بينما الفيلة الأسيوية لها آذان صغيرة وظهور محدبة أو مستوية.
وحينها ابتسمت مرام قائلة: الحمد لله أن الفيلة حيوانات عاشبة تأكل النباتات والأعشاب، وإلا لو كانت تأكل اللحوم لأكلتنا جميعًا كما تأكل البطاطا!
ضحك الحفيدان وكذلك ضحكت الجدة زينب وسألت: ولكن ما هو جمع كلمة فيل؟
ابتسم حسام قائلا: أفيال وفيول وفيلة.
عادت الجدة للسؤال: صحيح يا حسام… بارك الله فيك.. ولكن ماذا يُسمى ابن الفيل؟ صاح حسام سريعا يسمى: دغفل.
ابتسمت الجدة: نعم.. بارك الله فيك.
ذاكرة قوية:
استدار الجد عرفان للحفيدين حسام ومرام قائلا: ولكنكما نَسِيتُما أهم سمة من سمات الفيل.
ردت مرام بسرعة: أنا أعرفها يا جدي فالفيل يتميز بالذاكرة القوية التي تعي الأشياء والأماكن لسنوات عدة، ويستفيد من ذاكرته تلك في الوصول إلى موارد المياه في فترات الجفاف التي قد تمتد لفترات طويلة في أفريقيا. وأكمل حسام وأيضًا من سمات الفيل حاسة الشم القوية التي تمكنه من شم الرياح للتعرف على مصادر المياه، وكذلك معرفة الأعداء من مسافات طويلة.
سأل حسام قد يغضب الإنسان كثيرًا، ولكن هل تغضب الأفيال؟!
ردت مرام طبعًا تغضب وتحرك أذنيها وترفع ذيلها، وتصدر أصواتاً عالية مخيفة، وصوت الفيل يُسمى:” نهيم”.
خوف الأفيال:
ابتسمت الجدة زينب وسألت الحفيدين ولكن من أي شيء يخاف الفيل؟
فتعجبت مرام قائلة: وهل تخاف تلك الحيوانات الضخمة؟!
أجاب حسام نعم تخاف فالفيلة تخشى النار والأصوات العالية، وعندما تشعر بقرب موتها بسبب العطش أو لأي سبب آخر تذهب إلى أماكن المياه، وتموت هناك، وتتراكم عظامها في هذا المكان، ويتكون ما يسمى مقبرة الأفيال.
عام الفيل:
قال الجد عرفان: دائما تستغرقان الوقت في سرد المعلومات فننسى أهم معلومة.
أردفت مرام: أنا أعرف يا جدي أن العام الذي ولد فيه الرسول سيدنا محمد ﷺ يُسمى: عام الفيل.
وقال حسام وهناك سورة الفيل في القرآن الكريم.
قال الجد من منكما يحفظها؟
رفع الحفيدان أيديهما، فقالت الجدة: هيا نقرأها جميعًا.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأْكُولٍ﴾. قال حسام هي من أحب السور إليّ، وهي سورة مكية.
سألت مرام ولكن ما قصة هذا الفيل في القرآن الكريم؟
أجاب الجد عرفان ورد ذكر الفيل في القرآن الكريم بسورة الفيل، وهي السورة رقم 105 بالمصحف الشريف وجاء ذكر الفيل فيها ليُذكر الناس بالحادثة الشهيرة التي جاء فيها أبرهة الحبشي لهدم الكعبة المشرفة، وكانت هذه الحادثة في نفس عام ميلاد الرسول (ﷺ).
قالت الجدة زينب للجد عرفان: اسمح لي أن أحكي قليلا عن بداية القصة.
فقال الجد تفضلي يا جدة زينب.
قالت الجدة: في عصر من العصور قامت حروب بين اليمن والحبشة، وفي النهاية استقل الأحباش بملك اليمن وتولى عليها أبرهة (9)، فأرسل أبرهة للنجاشي ملك الحبشة: سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم بين مثلها، فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء عالية الفناء مزخرفة الأرجاء، سمتها العرب “القليس” لارتفاعها، لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة على أن يجعل العرب يحجون إليها بدلا من الحج للكعبة بيت الله الحرام في مكة، فكرهت العرب ذلك، ولم يُقبل أحد على زيارتها، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى الكعبة وليهدمنها حجرًا حجرًا.
وعندها أشارت الجدة للجد كي يكمل الكلام، فأكمل الجد القصة قائلا: وبالفعل استعد أبرهة، وسار في جيش كبير، واستصحب معه فيلا عظيمًا لم ير مثله، وكان معه بعض الأفيال الأخرى يقودها هذا الفيل، فلما وصل أبرهة قرب مكة استولى جيشه على مجموعة من الإبل، فأخذوها، وكانت مائتي بعير لعبد المطلب، وبعث أبرهة رسولًا إلى مكة حتى يأتيه بكبير قريش، فدله الناس على عبد المطلب بن هاشم، وأبلغه الرسول أن أبرهة لا يريد حربهم بل يريد هدم الكعبة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم (عليه السلام)، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه.
فأخذه الرسول إلى أبرهة، فلما رآه أبرهة أجله، وكان عبد المطلب رجلا حسن المنظر مهيبا، ونزل أبرهة عن كرسيه وجلس معه على البساط، وقال لترجمانه قل له ما حاجتك؟ فقال عبد المطلب للترجمان: إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي.
فقال أبرهة لترجمانه قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير لك أصبتها وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه، ولا تكلمني فيه؟!
فقال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا يحميه.
قال أبرهة ما كان ليمتنع مني.
قال عبد المطلب: أنت وذاك.
ورد أبرهة على عبد المطلب إبله، ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن على قمم الجبال حول مكة، خوفا عليهم.
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعباً جيشه، فلما وجهوا الفيل نحو مكة برك الفيل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، أي: رفض، فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك.
وهنا جاءت الطير الأبابيل ورمتهم بحجارة من سجيل، فهلك جيش أبرهة، وحفظ الله ﷻ الكعبة المشرفة.
تعجب الحفيدان، وقالوا جميعًا: سبحان الله.
نظر الجد والجدة إلى الحفيدين، ورأيا عيونهما تلمع بالمعرفة والعبرة.
فقالت الجدة: كم أنا فخورة بكما!
ضحك الجد وقال: ولكن هل تذكران اتفاقنا؟!
صاح الحفيدان وقالا في مرح: طبعا يا جدنا.
قال الجد: حسنًا؛ فكما قدمنا لكم من قبل بأسلوب ممتع.. قصة بقرة بني إسرائيل للأطفال.. نلتقي غدًا في نفس الموعد لنتحدث عن “كلب أصحاب الكهف”.