إنه الفاروق، إنه عمر بن الخطاب العدوي القرشي، الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وأحد أهم الأعلام في تاريخ الإسلام.
والله وددت لو اقتبست كل ما قيل في عمر، غير أن المقام ليس مقام شعر ولا فخر، بل هو مقام تذكير بأناس أثروا الدعوة الإسلامية، وقدموا لها أرواحهم وأفنوا في سبيلها أعمارهم، أناس عانوا الأمرين وعايشوا ميلاد الدعوة وأوجاعها، فأخذوا الكتاب بقوة وتركو لنا إرثا من المجد تذكرهم به الدنيا بأسرها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
يقول تاج الدين نوفل:
بشر ملاك أم ملاك من بشر يجتاز بالنور الكواكب والقمر
العدل أنت سطعت في عليائه فوق الدجى لم تبق منه ولم تذر
ففتحت بالسيف الموحد دولة كانت تولي وجهها شطر القمر
ونطقت بالآيات قبل نزولها فبعثت في الأرض ملائكة البشر
وكفاك قول المصطفى لو حل بالدنيا عذاب ما نجا إلا عمر
وكفاك أنك ما رأى الشيطان أنك قادم من مفرق إلا وفر
وكفاك أنك فاتح القــدس براحتيك وكنت أول من ظفر
كل مسلم أعزه الله بالإسلام عدا عمرا فإن الله أعز به الإسلام، واستجاب دعوة حبيبه المصطفى إذ قال: ( اللهم أعز الإسلام بأحد العمريين، وكان يعني عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام) فاصطفى الله عمر بن الخطاب ليكن عزا للإسلام، ولا يكفينا أن نكتب بمداد البحر عن عمر –رضي الله عنه وأرضاه- غير أنا سنحاول أن نوضح كيف أعز الله الإسلام بعمر، وما قدمه بن الخطاب للإسلام والمسلمين.
إسلام عمر
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- من أشد الناس فتكا بالإسلام والمسلمين ومن أشدهم تعذيبا لهم، حتى بلغ به الأمر أن توجه طالبا النبي –صلى الله عليه وسلم- يريد قتله، إلا أنه علم بإسلام أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها، فتوجه إليهما وبطش بهما، غير أنه سمع منهما بعض آيات القرآن فطلب منهما أن يعطياه ما كانا يقرآن، فأعطته أخته الصحيفة وقرأ فيها سورة طه، فشرح الله صدره للإسلام وخرج من عندهما قاصد النبي –صلى الله عليه وسلم – لا ليقتله بل ليعلن إسلامه، وعلى خلاف من سبقه من المسلمين لم يخفي عمرا إسلامه، بل قصد رجلا قيل عنه أنه أنقل رجال قريش للحديث، فأخبره بإسلامه، ونقل الرجل الخبر في ساعتها وأعلن إسلام عمر بن الخطاب!
ومنذ إسلامه بدأ سيل عطائه للإسلام والمسلمين، فقد كان المسلمين يصلون خفية في شعاب مكة، فلم يقبل عمر بن الخطاب هذا الأمر، وسأل النبي سؤالا واحدا: ألسنا على الحق؟ فقال النبي: نعم، وقال أليسوا على الباطل؟ فقال النبي: نعم، فقال عمر بن الخطاب: ففيما الخفية؟ فخرج المسلمون يطوفون مكة مهللين مكبرين معلنين عن دعوتهم في منعة وعزة لم يعرفوها من قبل، وسارو في صفين على رأس أحدهما عمر بن الخطاب، وعلى رأس الآخر حمزة بن عبد المطلب، فكانت لحظة فارقة في تاريخ الدعوة، ومنذ هذه اللحظة أطلق النبي على عمر بن الخطاب لقب الفاروق.
هجرته (رضي الله عنه وأرضاه)
حتى في هجرته –رضي الله عنه وأرضاه- ضرب سيدنا عمر بن الخطاب أروع مثل في الشجاعة والقوة، فلم يخرج متخفيا ولم يهاجر مستترا، بل خرج في منتصف النهار وأعلن هجرته قائلا كلمته الشهيرة: من أراد أن تثكله أمه فليتبعني!.
عدل عمر
كان عدل عمر بن الخطاب مضرب المثل، فعرف بإنصافه وعدالة حكمه مع رعيته ومع خلق الله جميعا من المسلمين وغيرهم، وقد أقام دولة العدل التي تنسب إليه وستظل تعرف به ويعرف هو بها إلى قيام الساعة.
إنجازاته وتاريخه الحافل
منذ دخول عمر بن الخطاب الإسلام وهو ينتقل من نجاح إلى نجاح ومن إنجاز إلى آخر، ولكن زادت إنجازات عمر، وبرزت فضائله ومناقبه حينما ولي أمر المسلمين وصار خليفتهم بعد أبي بكر، وسنذكر أهم أعماله وما قدمه للمسلمين والتي لا يزال أثرها حتى اليوم ومن ذلك:
القيام بإنشاء الدواوين المختلفة وإنشاء بيت مال المسلمين: وكانت هذه وسائل لتنظيم إدارة الأموال في عهد عمر بن الخطاب فقد قسم الدواوين وجعل منها ما هو مختص برواتب الجند ومنها المختص بالخراج وغيره، وجعل بيت المال الجهة التي تذهب إليها أموال الزكاة والصدقات وتوزع منها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
الفتوحات الإسلامية الواسعة في عهده –رضي الله عنه وأرضاه-: فتح عمر بن الخطاب عدة بلاد منها بلاد الشام ومصر وبلاد العراق وبيت المقدس، فجزى الله عمرا خيرا عن كل مسلم جاءته الدعوة على طبق من ذهب.
تشييد المدن: لم يكن اهتمام عمر بن الخطاب منصبا على نشر الدعوة وتبليغها وتوسيعها فقط، بل اهتم بإعمار البلاد التي فتحها وراح ينشئ المدن الحديثة، ومن ذلك إنشاء مدينة الفسطاط والجيزة في مصر، ومدينتي الكوفة والبصرة في العراق.