تزينت المدن الترفيهية لاستقبال الزوار من خارج المدن ومن داخلها، بالأنوار الجذابة التي تدخل البهجة والسرور إلى قلوب الأطفال وجميع أفراد الأسرة.
ومع إطلالة اليوم الأول من العيد سارعت الأسر إلى تلك المدن، لإرضاء أطفالها، لكن المشاهد المأساوية التي حدثت في بعض المدن لا تزال في الأذهان، الأمر الذي أجبر بعض الأسر على العزوف عن تلك الملاهي.
العيد فرحة
مع فرحة عيد سابقة، قبل سنتين، فجعت أسرة في الخبر، بفقد فتاتين في عمر الزهور، تحت عجلات قطار في مدينة ملاهٍ، وسرعان ما طالبت أسرتها بمقاضاة القائمين على مدينة الألعاب التي وقعت بها الحادثة.
ولم تكن الحادثة الأولى، إذ إن قطار الضحايا امتد إلى فتاة تعرضت لحادث شنيع داخل المدينة الترفيهية، عندما سقطت من أعلى القطار الطائر، وتعرضت لكسور خطيرة في الجمجمة ونزيف حول العين وجرح بالرأس.
وتعددت الحوادث من عيد لآخر، الأمر الذي دعا العديد من الأسر إلى العزوف عن المدن الترفيهية، لكن صراخ وإلحاح الأطفال جعل الموقف صعبا، كيف توفق الأسر بين رغبات الأطفال، لإضفاء السعادة عليهم، وبين القلق من لحظات الرعب التي يعيشونها، وربما تأتي عليهم في تلك المدن؟
وإذا كان العيد بالنسبة إلى المدن الترفيهية يمثل موسما معروفا منذ عدة أشهر، فلماذا تتأخر تلك المدن في توفير سبل السلامة، لحماية فلذات الأكباد، ولماذا دائما تتردد جملة «التحقيق جار»، بعد انتهاء الحادثة، فيما تغيب الرقابة المسبقة على تلك المدن، قبل العيد؟
كلها تساؤلات جعلت الكثير من الأسر، تتجنب الذهاب إلى الملاهي الترفيهية، وتفضل «اللعب على المضمون»، ممثلا في ألعاب محدودي الدخل، والتي لا تتعدى أرجوحات منتشرة على السواحل، أو متوفرة في حدائق صغيرة بالمدن.
خيار المجانية
رب الأسرة محسن سهيل ومجموعة من جيرانه وأسرهم، عقدوا العزم على التوجه خلال أيام العيد إلى الملاهي القريبة من الكورنيش في جدة، والتي يلعب بها أطفالهم بالمجان أو بأجور رمزية.
لكن خيار محسن لم يكن بسبب قلة المال، أو رغبته في التوفير، لكنه بسبب الخوف على الأبناء من الملاهي المدفوعة الثمن: «عادة ما أعد أبنائي، كل عيد باللعب في الملاهي يلعبون ويلهون، لكن بعد ما سمعته عن حوادث الملاهي، تجنبنا هذا الأمر نهائيا، ونحاول تعويض الأبناء بشيء آخر».
قطار الموت
رب الأسرة هيثم الخليفة يرى أن الخطر القائم في المدن الترفيهية يأتي من لعبة قطار الموت، والتي يجب عدم السماح بتشغيلها أو تركيبها في المدن الترفيهية، حفاظا على سلامة الأطفال والشباب الذين يدفعهم حب خوض المغامرة إلى ركوب قطار الموت دون أن يدركوا بالفعل أنه قطار موت.
ويعتقد وليد العنزي أن المتسبب الأول في الأحداث المأسوية التي تشهدها المدن الترفيهية: «انعدام مستوى الصيانة الذي يؤدي بالضرورة إلى تدني مستوى الأمان في تلك الألعاب، وخطرها على مرتادي تلك المدن الترفيهية، الأمر الذي يجعل متابعة شروط السلامة العامة وفرض غرامات مالية على المخالفين، أمرا ضروريا».
أعصاب مهدرة
رب الأسرة بسام الحمد، اضطر إلى الذهاب للمدن الترفيهية في أول أيام العيد، لكنه وضع يده على قلبه، وأصبح الترفيه خطرا على أولياء الأمور، لأنه يفقد أعصابه مع كل حركة للألعاب: «اضطررت إلى الانصياع للأمر الواقع، لكنني أخشى من الألعاب، لذا بصراحة لم أستمتع مع الأبناء، وصرفت ما يصل إلى 500 ريال».
أما المقيم هاني أحمد فصرف أمس في المدن الترفيهية ما يصل إلى 1000 ريال، لكنه أيضا كان يخشى توقف الألعاب فجأة.
قلق مستمر
ولم يخف رب الأسرة عبدالحميد الغامدي من أهالي جدة قلقه المستمر من المدن الترفيهية خاصة الكبرى والشهيرة، لأنها: «توحي بالخطر من خلال الألعاب التي تضمها، خصوصا أن هناك ألعابا لا تكون خاضعة للصيانة أو خارج الاهتمام، فالواجب على ولي الأمر متابعة أبنائه، وعدم المخاطرة بهم، وهناك العديد من الحوادث الكبيرة التي حدثت، والتي جعلت جرس الإنذار الخطر يدق بالقرب من الأهالي، وأعتقد أن مدن الألعاب المصغرة في بعض الأسواق والمجمعات ربما آمنة، نظرا إلى احتوائها على ألعاب حديثة وجديدة وخاضعة للصيانة».
وقاطع رب الأسرة إبراهيم الأسمري المدن الترفيهية بعدما سمع بموت طفل قبل فترة في أحد الألعاب: «أرى أن البدائل كثيرة، وتناسب الأطفال، ولا يأتي منها خطر، وإن حدث فإنه أهون وبصورة طفيفة، لكنه عموما نادر الحدوث، ومع ذلك على أولياء الأمور متابعة أبنائهم، خصوصا في أيام العيد، وتوفير البدائل بدلا من المخاطرة.
مقاطعة نسائية
أم نايف التي التقيناها في مركز نسائي في تبوك يحتوي على مدينة ترفيهية مصغرة ومغلقة، ترى أن هذه الملاهي أفضل، بعدما رأت طفلا أصيب بكسر في رقبته، نتيجة عدم وجود حاجز أمان يحميه في سباق السيارات، بسبب عطل، فصدمه طفل آخر من الخلف بقوة، أدى ذلك إلى تأرجح الطفل عدة مرات وإصابته بكسر في رقبته، الآن أصطحب أطفالي لهذا السوق، لبساطة ألعابه».
أم عبدالله الزهراني، من تبوك هي الأخرى قاطعت المدن الترفيهية: «لأن بعض الألعاب فيها مضى عليها أكثر من 20 عاما، دون أن تقوم الجهات المسؤولة عنها بصيانتها، وبسبب الحوادث المفجعة التي تنتج من ذلك، والتي أسفر بعضها عن إصابات أو وفيات أو كسور خطيرة، لذا قاطعناها حفاظا على سلامة الأبناء، مع إننا لا نريد حرمانهم من المتعة».
أين التدقيق
وتطالب الجوهرة بالمزيد من التدقيق في منح التراخيص لمدن الملاهي وتجديدها باستمرار كما يجب، ووفق ما تنص عليه الأنظمة، مع تطبيق عقوبات صارمة بحق المقصرين في صيانة الألعاب الترفيهية لمنع تكرار تلك الحوادث المؤسفة التي أودت بحياة أطفال أبرياء، وذلك بإغلاقها وحرمان أصحابها من أي نشاطات تجارية».
جاهزية للتدخل
وأشار مدير الدفاع المدني بمحافظة جدة العميد عبدالله جداوي إلى أن المدن الترفيهية أخضعت لجولات متواصلة منذ بداية رمضان: «هناك جولات متابعة خلال وبعد العيد وتشمل المواقع الموجودة داخل المجمعات التجارية وأخرى في مواقع كبرى مثل مدن الترفيه الكبيرة الموجودة على الكورنيش أو داخل المدينة، ومن ثم يتم تسجيل ملاحظات أو مخالفات عليها، يتم الإبلاغ بتعديلها فورا أو سحب شهادة صلاحية المنشأة».
وبين أن المخالفات المرصودة: «تمحورت حول عدم وجود لافتات أو لوحات إرشادية تخص الفئات العمرية التي يسمح لها باستخدام بعض الألعاب، إضافة إلى ملاحظات تخص حزام الأمان، وهناك دوريات سلامة ستكون قرب المدن ومواقع الترفيه لمتابعة أي خلل أو حادث طارئ في أيام العيد، وسيباشر أفراد من الدفاع المدني للوقوف على أي مشكلة أو شكوى من المتعاملين».
عقوبات رادعة
وتوعد المتحدث الرسمي لمديرية الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية المقدم منصور الدوسري، المخالفين في المدن الترفيهية بعقوبات رادعة: «مديرية الدفاع المدني أغلقت العام الماضي عددا من الألعاب التي تشكل خطرا على حياة الأطفال ، وشكلت أخيرا لجانا عدة، لمتابعة وجود اشتراطات السلامة في كل المدن الترفيهية في المنطقة، ونفذت إدارة السلامة زيارات ميدانية مكثفة ومستمرة، للتأكد من عدم وجود أي مشكلات أو عيوب في جميع الألعاب الموجودة داخل المدينة، إضافة إلى إجراء الصيانة، التي يجب توافرها وعملها في شكل مستمر، وبخاصة خلال فترة إجازة العيد، التي تشهد إقبالا ملحوظا من زائري المنطقة وخارجها».
وشدد على أنه: «في حال وجود أي مخالفات، أو ملاحظات يتم إبلاغ المسؤولين عن المنشأة، بضرورة معالجتها، وإزالة وجه الخطورة. ويتم منحهم مهلة زمنية محددة، لتصحيح الوضع ومعالجة القصور، وهناك متابعة دائمة من قِبل مديرية الدفاع المدني لهذه المنشآت، وبخاصة في فترات الإجازة والمناسبات والأعياد، وشدد على ضرورة مراعاة أصول ومتطلبات السلامة في جميع المدن الترفيهية، لمنع وقوع الحوادث، التي قد تؤدي إلى إصابات بشرية، والإدارة تتلقى بلاغات عن وجود مخالفات، ويتم التعامل معها فورا، لمعالجتها، وهناك تعليمات تم توجيهها لأمانة الشرقية بعدم السماح بتشغيل أو ترخيص مواقع الألعاب الترفيهية، إلا بعد توفير سيارة إسعاف مجهزة وطبيب عام وتوفير اللوازم الطبية والإسعافية في وقت التشغيل بإشراف من الشؤون الصحية، مشيرا إلى أنه تم مطلع الصيف إيقاف بعض الألعاب منها «رولر كوستر» قطار الموت والعجلة، بالإضافة إلى السينما، وذلك لخطورة هذه الألعاب وعدم استكمال جوانب السلامة فيها».
الرقابة الأسرية
ودعا الدوسري جميع أولياء أمور الأطفال إلى مرافقة أبنائهم أثناء وجودهم في المدن الترفيهية وعدم تركهم وحدهم دون إشراف مباشر منهم».
أسعار بلا رقيب
واستبعد المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بالمنطقة الشرقية علاقة الهيئة بتحديد أو غلاء أسعار المدن الترفيهية، وذلك وفقا للأنظمة المعمول بها: «الهيئة العامة للسياحة، لا تشرف على المشاريع الترفيهية».
رقابة الأمانة
وأوضح المدير العام للعلاقات العامة والإعلام والناطق الإعلامي لأمانة المنطقة الشرقية أن الإدارات المختلفة بالأمانة والبلديات التابعة لها تضع برنامج عمل يشتمل على استمرار تكثيف الرقابة الميدانية الدائمة والمفاجئة على المدن الترفيهية لمتابعة ما يعرض من أمور صحية وخدمية، والتأكد من تاريخ الصلاحية لكل منتج غذائي خصوصا داخل هذه المدن، ومجمعات المواد والتأكد من أن العاملين بها يحملون شهادات صحية، والتأكد من توافر النظافة الشخصية كذلك إلزام المدن بوضع لافتات توضح أسعار على كل لعبة، وفي حالة ثبوت أي ممارسة خاطئة في تطبيق النظام ستطبق العقوبات النظامية».
تراخيص مسبقة
وذكر مساعد مدير العلاقات العامة والإعلام في أمانة جدة أن مدن الترفيه تخضع للترخيص من قِبل الأمانة: «هناك اشتراطات وأنظمة معينة تخص هذا الجانب، وتتم متابعة ما يتم فتحه داخل هذه المدن من بوفيهات ومطاعم، بالإضافة إلى مراقبة أدائهم، أما فيما يخص الأسعار فذلك حسب العرض والطلب، لكن هناك تنسيق دائم ولجان مشتركة بين الأمانة والدفاع المدني، الذي يقوم بدور أكبر في متابعة اشتراطات ولوائح السلامة، وعمل الأمانة والدفاع المدني مكملين لبعضهما في هذا الجانب».
صيانة مستمرة
من جانب آخر دافع أحد كبار مسؤولي المجموعات الترفيهية في تبوك عن المدن الترفيهية: «سلامة وحياة الأطفال والكبار أول مسؤولياتنا، لذلك فإن صيانة الألعاب شبه يومية في خارج ساعات العمل، وأي لعبة نشك في صلاحيتها، إما أن نسحبها، أو الكتابة عليها بأنها معطلة، لحين إجراء الإصلاحات اللازمة لها».
تقرير/بقلم: حامد الفارس وعبده الأسمري وبديعة حسن