العمل ضرورة من ضروريات الحياة، فهو الوسيلة إلى تحقيق الاكتفاء المادي والرضا النفسي أيضا، كما أن العمل يعطي الوقت قيمة ويجعل له ثمنا، ومن الناس من يمتهن ما يحب ومنهم من يُضطر إلى امتهان عمل لا يحبه ولا يدخل ضمن اهتماماته أو ميوله، ومنهم من يأخذ أجورا مجزية لقاء عمله، ومنهم من يكد ويشقى ولا يُحَصل من وراء ذلك إلا القليل من المال.
ولكن مهما اختلفت المهن ومهما تعددت الأغراض منها ومهما كان العائد من ورائها سيظل للعمل قيمته ومكانته الهامة في الإسلام وسيظل إتقان العمل مطلبا لا ينفك عنه، ما دام الإنسان قادرا على الكسب ومتمكنا منه.
وهنا سوف نسلط الضوء على مدى أهمية العمل وكيف حثت عليه الشريعة وعظمته، وعلى اتقان العمل وثمراته على الفرد والمجتمع ككل، ذاكرين الأثار القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في هذا الصدد.
إقرأ أيضاً عن: أسرار خفية في التجارة مع رب البرية
أهمية العمل في الإسلام وضابطه
ينظر الإسلام إلى العمل باعتباره عبادة، وفي بعض الأحوال يقدم على العبادة، وتعليل ذلك أن حاصل نفع العبادة في النهاية يعود على الفرد نفسه، بينما نفع العمل يعود على الفرد ومن يعولهم والمجتمع بأسره.
ومن أهم النقاط التي تجعل العمل في مكانة متميزة بين العبادات والمستحبات أنه إعمار للكون وتحقيقا لسنة الله في كونه، ومن ثم يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (عَنْ أَنَسٍ بن مالك قَالَ: قَالَ الرَسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ).[٣]
والعمل قد يكون واجبا وقد يكون أمرا مستحبا، فأما سعي العائل على من يعول بغرض توفير حاجاتهم الأساسية من المأكل والمسكن والملبس والعلاج وغيرها، فهو أمر واجب يتعين على العائل بقدر استطاعته، وقد يكون مستحبا إذا كان للإنسان ما يكفيه ومن يعول من الاحتياجات الضرورية، ويعمل بغرض تحسين مستوى الحياة وجودتها أو حتى تحقيق مستوى أفضل من الرفاهية والرخاء أو كان من باب استثمار الوقت فيما يفيد.
أما الأعمال التي يمكن للإنسان أن يزاولها فهي كثيرة جدا ومتنوعة، فالشريعة تتميز بالمرونة فيما يخص هذا الأمر، وتعطى الفرد الحرية المطلقة في اختيار ما يناسبه من الأنشطة، ويمكن القول أن كل عمل أو مهنة يمتهنها الفرد جائزة شريطة أن لا تتعارض مع ضوابط الشريعة الإسلامية، التي على رأسها تحقيق النفع من هذا العمل وعدم إحداث ضرر لأي طرف من الأطراف، وأن لا يكون عملا محرما، أو نشاط غير مشروع، فيحرم مثلا أن يمتهن الناس السرقة أو التسول أو المتاجرة بما حرم الله كما لا يجوز قضاء الوقت في أعمال لا جدوى منها ولا عائد.
العمل بين سطور الكتاب والسنة النبوية
دلت كثير من مواضع الكتاب الكريم على وجوب العمل والسعي على الكسب وتحصيل الرزق ومنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَه)
ومن الأحاديث النبوية الواردة في ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم-: (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيراً من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه)، وفي ذلك ما فيه من الحض على العمل والسعي على ما يسد حاجات الإنسان ويغنيه عن السؤال أو طلب العون من أحد، ما دام المرء معافى ولديه قدرة على الكسب.
اتقان العمل في ميزان الشريعة
أما عن اتقان العمل فهو أمر لا يقل أهمية عن العمل نفسه، إذ لا فائدة من عمل مهلهل معاب ينقصه الإتقان ويفتقر إلى الأمانة والدقة، ولا عجب في ذلك فجودة العمل وإتقانه سمة من سمات الناجحين والمحترفين، وداعيا من دواعي استمرار العمل وتوسعه وتقدمه، فضلا عن ذلك فهو من باب عون الانسان لأخيه، فمن يقصد منك عملا ويعطيك أجرا إنما ينشد منك منتجا جيدا ومستوى خدمة محترم، ينفع صاحبه ولا يسبب له مشقة في التعامل معه ولا يخلق له مزيد من التبعات التي تضيع المال والوقت.
ويستطيع الانسان بإتقان عمله أن يحتفظ بإقبال الناس عليه وثنائهم عليه، كما يعكس صورة مشرفة له ولعمله، فضلا عن حب الله لإتقان العمل والحث على ذلك في كتابه الكريم، وقد أخبر بذلك الحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).