لقد ارتبط الأفارقة بالعرب منذ آلاف السنين من خلال حملات التوطن والنفوذ المتبادل بين المملكات اليمنية والحبشية. كما ارتبط الأفارقة بالعرب أيضاً من خلال الدعوة الإسلامية وذلك منذ الأيام الأولى لظهور الإسلام وكان ذلك حين شكل المسلمون من أصل إفريقي جزءا مهما من الذين دخلوا في الإسلام أيام الدعوة المكية، إذ كان من الأفارقة الذين أسلموا بلال بن رباح وعمار بن ياسر وغيرهما كثير ممن كانوا من سكان مكة. فلقد استهوى الإسلام بسماحته وعدله ودعوته إلى المساواة بين الناس الكثير من غير العرب المقيمين في الجزيرة العربية آنذاك، وكان الدافع لاعتناقهم الإسلام هو قناعتهم بأن الإسلام دين يعبر عن الفطرة، ويدعو إلى المساواة والعدالة بين بني البشر لا فرق في ذلك بين أبيض أو أحمر أو أسود إلا بالتقوى.
ثم إنه لما اشتد الأذى على المسلمين في مكة ورأوا أن يهاجروا منها، أمرهم الرسول [بالهجرة إلى الحبشة قائلا: “إن بها ملكا لا يظلم لديه أحد” أو كما قال النبي ﷺ. ومن هنا يتضح لنا مدى أسبقية الأفارقة وإفريقيا – دون عباد الله – وبلادها إلى التعرف على الإسلام، حتى إن إفريقيا عرفت الإسلام بالتزامن مع مكة أي أنها سبقت مناطق عديدة من جزيرة العرب في معايشة الممارسة الأولى للدين الإسلامي. ومن هنا، تتجسد عراقة العلاقة التاريخية للأفارقة بالإسلام والعرب، وهم القوم الذين حملوا راية هذا الدين ونشروه وساندوه في أصقاع الدنيا كافة.
ثم إنه لما بدأت الفتوحات الخارجية الإسلامية خارج بلاد العرب، كانت إفريقيا من أولى الجهات التي ولى العرب وجوههم شطرها ففتحوا مصر وشمال إفريقيا وبدأ ذلك منذ السنة الثامنة عشرة للهجرة. وهكذا تعرفت التخوم الإفريقية لجزيرة العرب باكرا على الدعوة الإسلامية سواء من خلال الهجرات أم من خلال الفتوحات أم من خلال الاحتكاك، عبر التعامل اليومي بسبب عامل الجوار والتقارب الجغرافي الذي يفرض التعامل اليومي في أمور الحياة العامة.
ولقد دخل الأفارقة في التخوم الحدودية للدولة الإسلامية في الإسلام أفواجا نظرا لما وجده الإسلام في نفوسهم من تقبل ولما لمسوه فيه من تطابق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وشيئا فشيئا اعتنق سكان إفريقيا هذا الدين الجديد، بل حمل بعضهم راية نشره والتبشير به حتى إن بعض الممالك الإفريقية اعتنق أصحابها الإسلام عن بكرة أبيهم شعوبا وملوكا كما هو الحال في مناطق غرب إفريقيا، أو من كان يعرف بالسودان الغربي (مالي، والنيجر حاليا)، والساحل الإفريقي عامة وكذلك الحال في القرن الإفريقي. بل إننا نرى مناطق من الدواخل الإفريقية قد اعتنق أهلها الإسلام على يد التجار والعلماء والرحالة العرب الذين كانوا يجوبون كافة مناطق العالم بحثاً عن الرزق والدعوة لدين الله.
هكذا فمنذ أن عرف الأفارقة الإسلام وارتبطوا به وبأهله من العرب خاصة، فإنهم قد اتخذوا من الدين منهجا ومن الثقافة العربية غاية، ومن تعلمهما وسيلة لاكتساب المكانة الدنيوية والأخروية، وهكذا تحول الأفارقة إلى سدنة أشداء للدين الإسلامي وللثقافة العربية. ووصل الاندماج الثقافي بين العرب والأفارقة درجة في الرسوخ فاقت كل مستوى مما جعل هذا الاندماج الثقافي وسيلة للترابط الحضاري بين الأمتين العربية والإفريقية خلال قرون طويلة، ولم تستطع القوة الاستعمارية الأوروبية بما تملك من وسائل إغراء مادي وعلمي وثقافي أن تنال منه إلى يوم الناس هذا.
ولما كانت سنوات الاستقلال للشعوب الإفريقية والعربية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وجد العرب والأفارقة أن مستقبلهم وآمالهم في البناء الوطني والتحرر مرتبطة بنفس القدر من الارتباط الذي كان معهوداً في تاريخهم. لذا، اندمج العرب والأفارقة في منظمات ثنائية وإقليمية ودولية تعمل كلها على مزيد توطيد العلاقة التاريخية والمستقبلية بينهما.
ولعل وجود ثلثي العرب في إفريقيا إضافة إلى وجود الكثير من الهيئات العربية الإفريقية المشتركة العاملة على توطيد الاندماج والشراكة بين الأمتين العربية والإفريقية يعتبر أكبر الضمانات لمزيد من الاندماج والانصهار الثقافي والحضاري بين العرب والأفارقة. ولا شك في أن الدور الذي يضطلع به المعهد الثقافي العربي الإفريقي في هذا الشأن يظل دوراً محورياً، إذ إن هذه المؤسسة الثقافية العربية الإفريقية يفترض لها أن تنهض بمهمة تقوية الاندماج الثقافي بين الأمتين العربية والإفريقية من خلال إبراز مواطن الالتقاء والتجانس بين الثقافتين الإفريقية والعربية بالإضافة إلى العمل على نشر التراث المشترك عبر تاريخ العلاقة الطويل بين الأمتين.
ومن هنا يتضح أمام القارئ الكريم مدى ثراء الخلفية التاريخية للعلاقات العربية الإفريقية بالإضافة إلى ما تفتحه هذه العلاقات التاريخية من فرص لتقوية العلاقة الحاضرة والمستقبلية بين الأمتين خاصة في مواجهة طغيان ثقافة العولمة تلك الثقافة التي تسعى جاهدة من أجل القضاء على الثقافات الأخرى بغية دمجها في صنف ثقافي أوحد يصر أصحابه على فرض نموذجهم الثقافي والحضاري ولو بالقوة.
ومن هنا يتبدى لنا أن العرب والأفارقة محكوم عليهم من خلال عوامل الجغرافيا وعلاقتهم التاريخية وآمالهم المستقبلية، وحفاظاً منهم على تميزهم الحضاري والثقافي أن يندمجوا في محيطهم الحضاري والثقافي الموحد والمنسجم، وأن يذودوا عن هذا الانسجام بكل ما أوتوا من قوة، وأن يطوروا علاقاتهم في جو من المثاقفة العادلة والنافعة التي تسعى إلى حفظ الحقوق الثقافية والتاريخية لكل من الحضارتين والأمتين وإثرائهما.
بقلم: د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل