هل يمكن إعتبار العلاجات البيولوجية ثورة في عالم الطب؟
قال “د. جريس الداوود” أخصائي أمراض المفاصل والروماتيزوم. منذ ظهور تقنيات العلاجات البيولوجية في أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة وتعتبر العلاجات البيولوجية ثورة تقنية هائلة في عالم الطب وعلاج العديد من الأمراض، وإذا ما خصصنا الحديث عن الأمراض الروماتيزمية فيمكننا القول أن العلاجات البيولوجية في هذا المجال تدعو لمزيد من التفاؤل خصوصاً مع تطورها يوم بعد يوم.
ما المقصود بالعلاجات البيولوجية؟
العلاجات البيولوجية هي أنواع من العلاج تُصنع من بروتينات طبيعية موجودة بالأساس داخل خلايا الجسم البشري، حيث تؤخذ هذه البروتينات إلى المختبرات والمعامل المتخصصة ويُصنع منها أدوية تواجه الخلل المناعي الموجود بجسم المريض، فكثير من الأمراض الروماتيزمية ناتجة بالأساس عن خلل مناعي، وبالتالي إستعمال هذه الأدوية المصنوعة من بروتينات الخلايا الطبيعية وليس من المواد الكيماوية يواجه الإفرازات والأجسام المناعية المضادة التي تسببت في المرض، وبالتالي العلاجات البيولوجية تصيب جزء معين من قلب الخلية أو جزء معين على سطح الخلية أو الإفرازات التي تنتجها الخلية.
وأضاف “د. الداوود” وطبقاً لهذه الآلية أصبح العلاج يركز على إصابة الهدف المطلوب تحديداً، وليس كما العلاجات الكيماوية التي تستهدف المرض وما حوله بما يؤثر في صحة أعضاء وخلايا أخرى.
ما هي الأمراض الروماتيزمية التي تنفعها العلاجات البيولوجية؟
العلاجات البيولوجية حالياً تُستخدم مع كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان، ومنها الأورام السرطانية وأمراض الجهاز الهضمي والتنفسي والأعصاب، أما الأمراض الروماتيزمية فكما سبق وأن أشرنا إلى أن معظمها ناتج عن خلل مناعي، وبالتالي تلعب العلاجات البيولوجية دوراً حاسماً في القضاء عليها.
وأبرز الأمراض الروماتيزمية التي تدخل العلاجات البيولوجية في علاجها ما يلي:
• الروماتويد، فهو أول الأمراض الروماتيزمية التي عولجت بيولوجياً.
• إلتهاب الفقاري اللاصق.
• الذئبة الحمراء.
• إلتهابات الجلد المفصلي.
وغيرها الكثير من الأمراض الروماتيزمية المناعية، بل وأصبحت العلاجات البيولوجية عنصر أساسي في علاج الآثار الجانبية والأمراض الأخرى المصاحبة للأمراض الروماتيزمية المناعية.
هل ينتج عن العلاجات البيولوجية آثاراً جانبية؟
أكد “د. جريس” على أنه لا يوجد علاج طبي ليس له مضاعفات صحية وآثار جانبية، وأشهر ما ينتج عن العلاجات البيولوجية هو إنخفاض مناعة الجسم، ولذلك المعالجون بها يكونون أكثر عُرضة للإصابة بالإلتهابات الجرثومية والبكتيرية والفيروسات وخلافه، ولكن عند الترجيح بين نسب حدوث المضاعفات وبين الفوائد الصحية المتحصل عليها من إستعمال العلاجات البيولوجية نجد أن الكِفة تميل ناحية إستعمال العلاجات البيولوجية.
هل العلاجات البيولوجية في متناول الجميع؟
كعادة أي إكتشاف علاجي جديد يصبح ذو تكلفة مالية مرتفعة جداً في البدايات، وما يلبث أن ينخفض سعره بمرور الأيام، والعلاجات البيولوجية تدخل تحت هذا التصنيف، فهي حالياً تحتاج إلى تكاليف مادية مرتفعة جداً، ومن ثَم لا يمكننا القول أنها يسيره على الجميع أو في متناول اليد لكل المرضى.
هل تعني كلمة بيولوجية أنها مأخوذة من جسم المريض نفسه؟
أشار “د. جريس” إلى أن كلمة بيولوجية تعني أنها بروتينات بشرية طبيعية تأخذها شركات الأدوية وتصنعها في صورة أدوية، ولكن لا علاقة لها بالمريض نفسه، فالأمر مختلف تماماً عن الخلايا الجذعية مثلاً والتي يمكن أخذها من المريض نفسه، بينما العلاجات البيولوجية فهي من مكونات موجودة في جسم الإنسان، أي إنسان وليس شرطاً المريض بذاته.
ما هي آلية عمل العلاجات البيولوجية مع الأمراض الروماتيزمية؟
الآليات مختلفة بحسب طببيعة كل مرض، ولكن على سبيل المثال وجد أن سطح الخلايا يحتوي على مادة معروفة باسم CD20، وهذه المادة تفرز مواد أخرى تهاجم خلايا المفصل، لذلك تؤخذ بروتينات معينة من الخلايا وتصنع في هيئة علاج بيولوجي يهاجم مادة CD20، ومن ثَم القضاء على خطر ما تفرزه.
وكذلك توجد مادة أخرى معروفة بـ TNF، وهي تلعب دور كبير في تنشيط الخلايا الإلتهابية التي تهاجم المفاصل، ومادة ثالثة باسم إنترلوكين 6، وكل هذه مواد موجودة داخل أو على سطح الخلايا، لذلك تشكل لها علاجات بيولوجية مضادة لمواجهة خطرها عن طريق قتلها، وبالتالي وقف كل المشكلات الصحية التي تنتج عنها لاحقاً على المفصل.
هل ستحل العلاجات البيولوجية محل العلاج الكيميائي؟
أردف “د. جريس” كل المؤتمرات الطبية العالمية أصبحت تشجع على إستعمال العلاجات البيولوجية وتقليل اللجوء إلى الأدوية المصنعة من المواد الكيميائية، فعلى سبيل المثال تحدث الجمع في أحد المؤتمرات الطبية عن مرض الإلتهاب الفقاري اللاصق الذي يصيب الشباب في ما قبل العقد الثالث من العمر ويتسبب في آلام وتشوه العمود الفقري، حيث يستقيم أسفل العمود ويتحدب ويتقوس منتصفه وأعلاه مع صعوبة في تحريك الرقبة، فكان التعامل مع هذا المرض حتى عام 2000 ينحصر في أدوية المسكنات والإلتهابات، والتي انحصرت نتائجها العلاجية في 50% من إجمالي المرضى، ولكن من بعد ظهور العلاجات البيولوجية أصبح بمقدورنا مقاومة ومواجهة المادة المتسببة في المرض وهي الـ TNF.
وبالتالي ارتفعت نسب الشفاء إلى حدود الـ 90%، ولذلك يتجه الأطباء إلى إستعمال العلاجات القديمة لمدة شهر واحد فقط، فإذا لم يستجيب المريض ولم تتحقق عوامل الشفاء المرجوة يُحول المريض فوراً للعلاج البيولوجي، لأنه ناجع وفعال، فمنه أدوية تقتل المادة المسببة، وأدوية تعيق مستقبلات المادة المرضية على سطح الخلية، وأدوية تقتل الإنزيمات المفرزة داخل الخلايا بفعل تفاعل المادة المتسببة مع بروتينات الخلية، أي أن محاصرة المرض تتم من ثلاثة جهات بالتزامن، وهو ما يحقق الشفاء لا محالة.