الحمد لله رب العالمين المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، المتفرد بتصرف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، ثم الصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل إلى الثقلين بالهدى بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
إن من سنن الله جل وعلا في خلقه أنه فضل بعض النبيين على بعض فكان سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” سيد الرسل أجمعين، وفضل بعض البقاع على بعض فكانت مكة المكرمة أشرف البقاع والبلدان، وفضل بعض الأيام على بعض فكان يوم عرفة أفضلها وأعظمها فضلاً وفضل بعض الشهور على بعض، فجعل شهر رمضان أفضل من سائر الشهور، وفضل بعض الليالي على بعض فكانت ليلة القدر خير ليالي السنة وأعلاها بركة وشرفاً وكيف لا وقد أنعم الله علينا نحن المسلمين في هذه الليلة المباركة بنزول القرآن الكريم، قال ربنا سبحانه “إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)..ففي هذه الآيات تحدث الله سبحانه وتعالى عن تلك الليلة في سورة كاملة باسمها بأسلوب العظمة والإجلال لذاته العلية، ولهذا المنزل وهو كلامه جل وعلا.
وهي الليلة التي تشهد تنزل الملائكة الكرام وروح القدس معهم بالخير والبركة والرحمة، وهي ليلة سلام وأمان للمؤمنين.
ليلة لقدر ليست ككل الليالي
ليلة القدر هي الليلة المباركة كما وصفها الله سبحانه وتعالى فقال ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ *، فهي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويقدر فيها آجال العباد وأقدارهم وأرزاقهم.
ويأتي وصف هذه الليلة بالمباركة لما فيها من الخير والثواب العظيم الذي أعده الله جل وعلا لعباده المؤمنين كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فعن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّه قال: (مَن يَقُمْ ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذَنبِه). رواه البخاريُّ ومسلم.
كما أن عبادة هذه الليلة أفضل عند الله تعالى من عبادة ألف شهر سواها، ويأتي معنى القدر هنا من الشرف والمنزلة العظيمة التي نالتها هذه الليلة بنزول القرآن الكريم فيها.
وإليكم أدعية مقترحة
- دعاء يقال ليلة القدر لكل مسلم
- أدعية ليلة القدر بوستات سوشيال
- أدعية ليلة القدر مكتوبة
- ما أفضل دعاء في ليلة القدر
تحرّي ليلة القدر في العشر الأواخر وما يقال فيها
لقد أرشدنا النبي ” صلى الله عليه وسلم ” إلى تحري ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان فقال” صلى الله عليه وسلم: “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان”، وعنه “صلى الله عليه وسلم” من حديث نافع عن ابن عمر “رضي الله عنهما”: أن رجالاً من أصحاب النبي “صلى الله عليه وسلم” أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر.
كذلك جاء عنه “صلى الله عليه وسلم” من حديث عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى”
ولما كان من هدي النبي “صلى الله عليه وسلم” أن يجتهد في العشر الأواخر من رمضان كلهن لذلك سن لأمته أن يجتهدوا في تحري ليلة القدر طوال الليالي العشر.
ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم سبب إخفائها وعدم تعيينها في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (خرج النبي “صلى الله عليه وسلم” ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة).
ويظهر لنا من هذا الحديث خطورة المشاحنة والتدابر والنزاع، وأن هذه الأخلاق السيئة تذهب بالخير وتحجب البركة والرحمة عن من يقع فيها، بل وتفسد القلب وتزرع الأحقاد والبغضاء في دنيا الناس ولذلك نهى النبي “صلى الله عليه وسلم” أمته عن هذه الأمور، فعن أنس بن مالك “رضي الله عنه” أن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ”
فعلينا أن نجتهد في تحريها وأن نكثر من الدعاء أن يبلغنا الله إياها ومما يسن من الدعاء في ليلة القدر ما صح عنه “صلى الله عليه وسلم” من حديث أم المؤمنين عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالت: (قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةُ القدْر؛ ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللَّهُمَّ إنَّك عفُوٌّ تحبُّ العفوَ، فاعفُ عنِّي).
اللهم بلغنا ليلة القدر وارزقنا قيامها
فإن الله عز وجل إذ أخفى عنا ليلة القدر ولم يظهرها على وجه الدقة، فأنه أراد بنا تعميم الخير وزيادة الأجر، وتحصيله في العشر الأواخر جميعهم، وليس في ليلة القدر وحدها، فيا رب نسألك أن تبلغنا ليلة القدر وأن توفقنا إلى قيامها إيماناً واحتساباً فإنك ولي ذلك والقادر عليه برحمتك يا أرحم الراحمين، وأن تجعلنا فيها من السعداء والمحظوظين، والمستجابي الدعاء اللهم آمين.