العدل من قوانين الكون وسننه التي خلقت معه، وإن تصاريف القدر وأحداثه تبين ذلك وتجسده، فقط يحتاج الأمر إلى قليل من التدبر والتأمل، فمن أحسن يُحسن الله إليه، ومن جار يُجار عليه، ومن ظلم يُقتص منه ولو بعد حين فالله أسمى نفسه العدل، وعلى العدل قام الملك، وصلح أمر الخلائق.
وهنا سوف نتعرض لمعنى العدل ومكانته في الإسلام، وكيف حض عليه ودعا إليه كل من الكتاب والسنة.
العدل في الإسلام
معنى العدل هو وضع الشيء في موضعه، وتقديره حق قدره بلا زيادة أو نقصان، وهو من صفات الله عز وجل، ومن ثم فقد حض عليه الإسلام وأعلى قدره بين الفضائل والمعاملات لما له من دور عظيم وأثر كبير على استقامة الحياة وصلاحها، ولو تأملنا آيات الذكر الحكيم لوجدنا أن كلمة العدل ذكرت في عدة آيات ومواضع ومنها على سبيل المثال، قول الله عز وجل في الأمر بالتزام العدل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وقوله عز وجل في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
أما السنة النبوية ففيها أحاديث كثيرة أمر النبي فيها بالعدل وذكى أصحابه وبين فضله ومكانته عند الله، ومنها ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (سبعة يظلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه).
فيم يكون العدل؟ وما مظاهره؟
العدل يكون في كل شيء وتجاه كل شيء، فالعدل يكون حتى بين الإنسان ونفسه، العدل في القول والفعل والمنع والعطاء، ومن المواطن التي يجب أن يطبق فيها العدل، لكي تؤمن الفتن والأحقاد وتسود السكينة والوفاق بين الناس ما يلي:
عدل ولي الأمر أو الحاكم أو من يقوم مقامه مع رعيته، في المنح والمنع، والثواب والعقاب، والعدل يقتضي عدم المحاباة أو المجاملة أو التجاوز عن مذنب دون آخر، أو صب العقاب على مخطئ وترك آخر، فهذا كله يتنافى مع العدل، وقد نبهنا النبي –صل الله عليه وسلم لهذا المعنى حين قال: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، أو كما قال – عليه الصلاة والسلام.
تطبيق العدل في مؤسسة الأسرة المحدودة، وذلك بالعدل بين الأولاد وعدم تفضيل أحدهم على الآخر بعطاء مادي أو معنوي، فإن هذا من الأمور التي تعد بأثر بالغ السوء على البناء ومستقبلهم وتزرع بذور الحقد والكراهية في قلوبهم.
عدل الرجل الذي يتخذ أكثر من زوجة بين زوجاته، مطلب لا يقبل الجدل، حث عليه القرآن الكريم والسنة النبوية لما له من أثر على استقرار الحياة الزوجية وسد الذرائع، وغلق أبواب الشر، فالعلاقة بين الزوجات لا تخلو من الغيرة والشعر بالغضب والحنق، وظلم أي منهما يسبب لها ألما عظيما وانكسارا لا حد له، ومن ثم أوصى الإسلام بالعدل قدر المستطاع.
لماذا اكد الإسلام على العدل ودعا إليه؟
إن الله خلق الناس وقدر لهم أن يتقاسموا تفاصيل الحياة ووزع بينهم المقدرات والأرزاق، وفقا لإرادته وحكمته التي لا يعلمها إلا هو، وجعل من العدل فضيلة كبيرة الأثر عظيمة الخطر، لأنها الوسيلة إلى درأ المفاسد وحقن الدماء وغلق باب كثير من الفتن، فالإنسان لو استشعر العدل فيما حوله لاطمئن قلبه ولهدأ باله، فكم من جريمة ارتكبت بسبب شعور مرتكبها بالقهر أو الجور، وكم من حق عطل بسبب غياب العدل، وكم
من فتنة اندلعت للمطالبة بالعدل والعدالة.
وقوام العدل أن يكون الجزاء على قدر العمل، والعطاء على قدر الجهد، فمن عمل واجتهد ووجد جزاءا عادلا لا يبخسه جهده، لا شك أنه سيبيت قرير العين هادئ البال، ولا شك أنه سيكون سلاما على من حوله.