سنصَب الحديث عن كثب وبشكل تفصيلي هنا عن: العتائق، البكتيريا، الطلائعيات. وذلك بعد أن تطرقنا آنِفًا عن الحديث عن المملكة الحيوانية وبالتحديد الإنسان وأجهزته المختلفة لأهمية هذه المواضيع في علم الأحياء. الآن سننتقل للحديث عن باقي الكائنات الحية الأخرى، وذلك لأن الغالبية العظمى من الكائنات الحية على هذا الكوكب هي من الكائنات أحادية الخلية، وما نعنيه عندما أقول الغالبية العظمى الكائنات الحية التي تنتمي إلى نطاقين من النطاقات التصنيفية الثلاثة التي قسمت إليها جميع الكائنات الحية بالإضافة إلى مملكة من الممالك الأربعة، إذن يتحدث عن البكتيريا والعتائق والطلائعيات فباستثناء عدد قليل من الطلائعيات جميع هذه الكائنات هي أحادية الخلية، وهذه الكائنات هي من أكثر الكائنات وفرةً وتنوعًا على الأرض.
والأهم من ذلك هو أن هذه الكائنات تنحدر من أقدم السلالات التي عاشت على الأرض من بداية نشوء الحياة على هذا الكوكب، ومن خلال فهم هذه المجموعات الثلاثة ستزداد معرفتكم بأشكال الحياة المختلفة على هذا الكوكب وأصلها وكيفية تطورها وصولاً إلى السلالات الموجودة الآن، ونتيجة لقدم هذه الكائنات فإنها تتخذ أشكالاً غريبة لا تشبه أشكال الحياة الأخرى، وهذه الكائنات يمكنها القيام بالكثير من الأمور المذهلة؛ فبعضها يمكنه النمو والازدهار في بيئة قاسية جدًا، يمكنها قتل أي كائن آخر، وبعضها يعيش كدخيل متطفل على كائنات حية أخرى بما فيها الإنسان، مسببة أمراض مختلفة تقوم بعملية تثبيت النيتروجين، وهي عملية جوهرية لجميع أشكال الحياة، ومنها ما يساعد الحيوانات في هضم الطعام، ومعظمها لديه أسماء غريبة مثل الطحالب الفقاعية والعفن الغروي، كما تتنوع أشكال هذه الكائنات من الاسطواني والهلامي واللولبي.
إن معظم الكائنات الحية عديدة الخلايا على هذا الكوكب مثل الفطرية والخفاش مصاص الدماء قد تطورت من كائن أحادي الخلية، وعلى الرغم من تطور هذه الكائنات أحادية الخلية إلى الكائنات المختلفة التي ترونها حولكم، إلا أن بعضها بقي من الكائنات أحادية الخلية ولم يطرأ عليها الكثير من التغيرات منذ مليارات السنين.
تصنف معظم الكائنات أحادية الخلية اليوم إما إلى البكتيريا أو العتائق أو الطلائعيات. الطلائعيات هي كائنات حقيقية وهي تنتمي إلى مملكة الطلائعيات ضمن نطاق حقيقية النواة، أما بالنسبة للبكتيريا والعتائق فكل منها ينتمي إلى نطاق خاص من بدائية النوع.
الفرق بين الكائنات بدائية النواة وحقيقية النواة
قد ذكرنا سابقًا أن الفرق الرئيسي بين بدائية النواة وحقيقية النواة هو أن الكائنات حقيقية النواة مثل الإنسان والنباتات والفطريات وجميع الحيوانات المألوفة بالنسبة لكم لديها خلايا تحتوي على نواة تحتفظ بالمعلومات الوراثية للكائن، في حين أن خلايا الكائنات بدائية النواة ليس لديها نواة أو أي عضيات أخرى، ولكن تتشارك هاتين المجموعتين من الكائنات في بعض الأمور، فالأغشية البلازمية المليئة بالسيتوبلازم والرايبوسومات التي تحتوي على الحمض النووي RNA والبروتينات المصنعة، وكلاهما يمتلك الحمض النووي DNA الذي يحمل المعلومات التي تتحكم بوظائف الخلية.
ولكن DNA في الخلايا حقيقية النواة يكون على هيئة سلاسل من الكروموسومات، في حين يكون الـ DNA في الخلايا أحادية النواة يكون على هيئة حلقات تسمى البلازميدات، حسنًا؛ -دعوني أكرر-: الطلائعيات هي في الغالب كائنات أحادية الخلية حقيقية النواة، أما البكتيريا والعتائق فهي كائنات أحادية الخلية بدائية النواة.
وبدائيات النواة أي الكائنات ذات النواة البدائية، كما يشير اسمها فهي من أقدم أشكال الحياة على الأرض؛ حيث لم يستطع العلماء العثور على كائنات أقدم من العتائق.
العتائق
وتعود أقدم أحافير للعتائق إلى 3,5 مليار سنة، أي بعد مليار سنة من تكون الأرض عندما كانت المذنبات والنيازك تمطر على كوكب الأرض، وفي ذات الفترة التي كانت فيها نسب الإشعاعات فوق البنفسجية مرتفعة جدًان وعلى الرغم من ذلك تمكنت العتائق من النجاة.
وبما أن مناخ الأرض قد أصبح أكثر اعتدالاً تتواجد العتائق حاليًا في أكثر البيئات القاسية في العالم مثل الفتحات الحرارية المائية أو آبار النفط أو الينابيع البركانية الساخنة، وحتى في التصريف الحمضي للمناجم العتائق هي من أقدم الكائنات الحية التي عاشت على الأرض، وقدرتها على التكيف هي التي سمحت لها بالنجاة في البيئة القاسية التي اتسمت بها المراحل الأولى من الحياة على الأرض.
مولدات الميثان
أحد أهم مجموعات العتائق هي مولدات الميثان، وهذا النوع من العتائق يفضل العيش في بيئات معتدلة مثل الطين والمستنقعات وأمعاء الإنسان، وتستمد مولدات الميثان طاقتها من غاز الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وهذا أمر رائع، ثم تطلق غاز الميثان كمخلف ثانوي ولهذا سميت مولدات الميثان، يعرف هذا الغاز باسم غاز المستنقعات، أما المجموعة الثانية من العتائق فهي أليفات الظروف القاسية، وهذه الكائنات تعيش في ظروف بيئية قاسية للغاية، ومن أشهرها ما يعرف بالثيرموفايل أو أليفات الحرارة التي تعيش في درجات حرارة عالية جدًا، وتم اكتشاف نوع من هذه العتائق في أواخر التسعينيات، كان يعيش داخل فتحة حرارية مائية تصل درجة الحرارة فيها إلى مائة وثلاثة عشر درجة مئوية وليست درجة عادية بل درجة مئوية، أي أعلى بكثير من درجة غليان الماء.
معظم الكائنات الأخرى لا يمكنها تحمل درجات الحرارة هذه لأنها تؤدي إلى تفكيك DNA وتغيير طبيعة البروتينات، أي تغير شكلها بشكل دائم إلى أليفات الحرارة تكيفت بدرجة تسمح لها بالحفاظ على اتزانها في درجات الحرارة الشديدة الارتفاع.
أليفات الملح
ومن أنواع العتائق الأخرى هي أليفات الملح التي تعيش في مناطق مثل البحر الميت أو البحيرة المالحة الكبرى الموجودة غرب الولايات المتحدة، معظم أليفات الملح هي غيرية التغذية وتتنفس الأكسجين ولكن هناك بعض الحالات الاستثنائية مثل الأنواع التي تستخدم أشعة الشمس لإنتاج الطاقة، ولكن ليس بنفس الطريقة التي تتبعها النباتات.
هذه الكائنات تحتوي أغشيتها على خضاب قادرة على امتصاص الضوء ثم تتفاعل الخلية مع هذا الضوء مما يسمح بإنتاج ATP للحصول على الطاقة، إنه أمر مذهل بالفعل، وعلى الرغم من هذا التنوع الكبير في أنواع وسلوكيات العتائق، إلا أنها تختلف كثيرًا عن البكتيريا التي تصنف كذلك ضمن بدائيات النواة.
وهنا تقرأ عن: بحث عن جهاز الغدد الصماء
البكتيريا
ولفترة طويلة لم تصنف البكتيريا والعتائق ضمن نطاقين مختلفين بالكامل، بل كانت تصنف معًا ضمن نطاق واحد حتى القرن العشرين، ولكن عندما اتضح للعلماء وجود فروق جينية واضحة بينهما، مثل اختلاف تسلسل الحمض النووي الريبوسومي DNA واختلاف التركيب الجيني للـ RNA لكل منهما، لهذا تم فصلهما لنطاقين مختلفين.
والبكتيريا ليست بقدم العتائق، حيث تظهر الأحافير أنها انتشرت بشكل واسع قبل حوالي 1,5 مليار سنة، ولكن هناك أدلة تشير إلى ظهور البكتيريا قبل ثلاثة مليار سنة، أما اليوم فالغالبية العظمى من بدائية النواة الموجودة على الأرض هي من البكتيريا.
وتمتاز هذه الكائنات بفعاليتها للتكيف مع الظروف المختلفة بشكل سريع، والعديد من أنواع البكتيريا هي طفيلية مثل تلك التي تسبب التهاب الحلق العقدي والالتهابات الناتجة عن البكتيريا العنقودية وغيرها من البكتيريا التي تتطلب التصدي لها من خلال مضاد حيوي، ولكن يمكن للبكتيريا أن تقاوم المضادات الحيوية والاستجابة المناعية للجسم من خلال تعديل الحمض النووي الخاص بها على مدى الأجيال، حيث يمكنها تفعيل أو إبطال جينات معينة لتكوين تراكيب جينية فريدة من نوعها عند تكاثر المجموعة السكانية، مما يمنع الجهاز المناعي والأدوية المختلفة من التصدي لها.
وتمامًا مثل العتائق فإن البكتيريا لا تتكاثر جنسيًا ولكن البكتيريا ابتكرت طريقًا لتمرير مادتها الوراثية إلى أفراد أخرى من خلال عملية تعرف بنقل الجينات الأفقية. سبق وسمعتم بمقاومة المضادات الحيوية أليس كذلك؟ إن عملية نقل الجينات الأفقي هي التي تتسبب بهذه المقاومة؛ حيث يمكن لسلالة من البكتيريا لديها مقاومة جينية لمضاد حيوي ما أن تنقل أجزاء من حمضها النووي التي يمكنها من مقاومة هذا الدواء إلى سلالة أخرى من البكتيريا، ولهذا السبب فإننا لفي حرب دائمة مع أنواع البكتيريا المختلفة في العالم.
كما يمتاز نطاق البكتيريا بتنوعه الشديد فهو يتألف من العشرات من الشعب التي يصعب ذكرها كلها الآن، ولكن من الطرق التي تتبع عادة لتصريف البكتيريا هي بالاعتماد على أنواع أغشيتها الخلوية المختلفة؛ فبناءً على نوع الغشاء الخلوي للبكتيريا ستختلف استجابته لصبغة معينة تسمى صبغة جرام؛ فالبكتيريا إيجابية الجرام يكون لديها أغشية خلوية سميكة وهي مجموعة كبيرة جدًا تشمل العديد من أنواع البكتيريا مثل تلك التي تعيش بشكل منفرد مثل البكتيريا العنقودية والبكتيريا العقدية، بالإضافة إلى تلك التي تعيش ضمن مستعمرات مثل البكتيريا التي تتسبب بمرض الجزام أو مرض السل.
وهناك كذلك العديد من البكتيريا سلبية الجرام التي تمتلك أغشية خلوية أقل سماكة، ومن أهم شعبها هي المتقلبات، والتي سميت بهذا الاسم لأنها تتخذ عدة أشكال مختلفة، والمتقلبة تشمل البكتيريا ذات الوظيفة الأكثر أهمية لجميع أشكال الحياة، وهي تلك التي تقوم بتحويل النيتروجين الموجود في لغلاف الجوي إلى مركبات تحتاجها النباتات.
كما تشمل متقلبات البكتيريا التي تتسبب بالتسمم الغذائي أو داء الفيالقة، ومن الشعب الأخرى للبكتيريا سالبة الجرام فهي البكتيريا الزرقاء وهي بدائية النوع الوحيدة التي يمكنها القيام بعملية البناء الضوئي لصنع غذائها، وهي من أهم الأفراد ضمن الشبكة الغذائية المائية؛ حيث أنها تعتبر مصدرًا غذائيًا مجهريًا للعديد من النظم البيئية للمياه العذبة والبحرية.
أما شعبة البكتيريا الملتوية فهي تتألف من بكتيريا ذات شكل لولبي، التي ربما سمعتم بها من قبل، ومعظم البكتيريا الملتوية هي غير معدية، باستثناء عدد من الأنواع التي تتسبب بأمراض مختلفة مثل داء لايم. حسنًا وضحت لكم حتى الآن أن العتائق تمكنت من النجاة لمليارات السنين في بيئة قاسية جدًا، وأن البكتيريا تمكنت من ابتكار طرق لتمرير أحماضها النووية دون الحاجة للتكاثر الجنسي.
الطلائعيات
والآن سأنتقل للمجموعة الأخيرة من الكائنات أحادية الخلية وهي الطلائعيات؛ من منظور متطور فإن الطلائعيات هي الأصغر سنًا بين هذه المجموعات الثلاثة، وهي تطورت من البكتيريا قبل حوالي 1,7 مليار سنة، وهي أكثر تعقيدًا من العتائق والبكتيريا، فهي من حقيقيات النواة، وهناك أنواع منها تكون عديدة الخلايا وبعضها يمكنه التكاثر جنسيًا.
ولكن مملكة الطلائعيات تتسم بشيء من عدم التناسق، فبعض الطلائعيات يكون أقرب للنباتات وبعضها الآخر للحيوانات أو إلى الفطريات حيث اعتمد العلماء تصنيف الطلائعيات بناءً على الكائنات الأخرى الشبيهة بها، فالأوليات هي الشبيهة بالحيوانات، في حين أن الطلائع هي أشبه بالنباتات وهناك طلائعيات شبيهة بالفطريات مثل ما يعرف بالعفن الغروي.
الأمر المشترك بين جميه هذه الأنواع هو أنها تحتاج للعيش في مكان رطب في الرخاخ أو في داخل الجسم أو في المنحدرات الثلجية أو غيرها من المناطق الرطبة.
الأوليات
الأوليات هي كائنات مذهلة وهي تشبه الحيوانات في بعض الأمور، فهي كائنات غيرية التغذية، مما يعني أنها تحتاج لتناول أشياء أخرى لتتمكن من العيش، ولأنها تحتاج أن تأكل فهي تمتلك فم أو أجزاء شبيهة بالفم، كما يمكنها الحركة من خلال استخدام تراكيب جسمية مختلفة، فبعضها يمتلك السياط تشبه الذيول لتساعدها في الحركة في الماء، وبعضها يمتلك أهداب تشبه الشعيرات التي تتحرك كالمجداف، وبعضها يتحرك حركة أميبية شبيهة بالزحف.
والأوليات التي تتحرك بهذه الطريقة هي الأميبات، وبمناسبة الأميبات والحديث عن الأميبات، بعض الأوليات التي تكون طفيلية مثل مرض الأميبا الذي تتسبب به هذه الكائنات، أما الملاريا فيتسبب به الكائن الأولي الذي يسمى البلازمود النشط، في حين أن مرض النوم الأفريقي ينتج عن نوع من الأوليات يسمى المثقبية البروسية.
الطحالب
أما الآن فسأنتقل إلى الطلائعيات الشبيهة بالنباتات أي الطحالب، يمكن لجميع الطحالب القيام بعملية البناء الضوئي مثل النباتات ولكنها لا تعتبر من النباتات، لأنها تستخدم أنواع مختلفة من جزيئات الكلورفيل وبعضها يكون أحادي الخلية مثل الدياتومات التي تحتوي على قشرة صلبة تتكون من السيليكا.
وتمتاز بعض الطحالب أحادية الخلية بحجمها الكبير؛ فعلى سبيل المثال هناك نوع من الطحالب يعرف بالفقاعية، وهو يعيش في قاع المحيطات المدارية، ويمكن أن يصل طوله إلى خمس سنتيمترات ليس غريبًا أنه يتكون من خلية واحدة؟
أما بالنسبة للطحالب عديدة الخلايا فمنها ما هو مألوف بالنسبة لكم مثل العشب البحري وهي شبيهة بنباتات على اليابسة، وهذا واضح من مظهرها، وتصنف عادةً الطحالب عديدة الخلايا إلى طحالب حمراء وخضراء وبنية، ولكن يوجد من هذه المجموعات كائنات أحادية الخلية كذلك، على الأرجح الطحالب الخضراء هي الكائنات التي أدت إلى نشوء النباتات على اليابسة قبل حوالي 475 مليون سنة.
والطحالب الخضراء هي المجموعة الأكثر وفرة وتنوع بين الطحالب، وهي تمتلك البلاستيدات الخضراء مثل النباتات على اليابسة، ولهذا هي تستطيع العيش في المياه الضحلة فقط لأنها تحتاج إلى أشعة الشمس، أما الطحالب الحمراء فيمكنها العيش في أعماق أكبر لأنها تمتلك صبغة تسمى الفيكوراثرين، وهي التي تساعد صبغة الكلوروفيل في المياه العميقة.
الطحالب البنية وهي تتضمن معظم العشب البحري الموجود في المحيطات، ومن الأمثلة عليها ما يعرف بطحلب الكلب.
الطحالب البنية هي طحالب عديدة الخلايا الأكبر حجمًا والأكثر تعقيدًا.
أخيرًا، هناك طلائعيات شبيهة بالفطريات مثل العفن الغروي، وتمتص هذه الكائنات العناصر الغذائية من بيئتها وتنتج أجسامًا مثمرة مثل الفطريات ويمكن لهذه الكائنات أن تتحرك مثل الأميبات بالزحف. كما يمكنها أكل البكتيريا من خلال عملية البلعمة، ويمكن تمييز العفن الغروي بسهولة، فهو يمتاز بألوانه الزاهية مثل هذا النوع من العفن الغروي.