الحياة لا تسير على وتيرة واحدة والأحداث لا تأتي دائما موافقة لهوى الإنسان، أو متماشية مع رغباته وخططه، وأحياناً كثيرة تتعارض المصالح، فبينما تقتضي مصلحتك شيئاً معيناً تقتضي مصلحة الغير شيئاً مضاداً مخالفاً تماماً، بل أحيانا تتعارض مصالح الشخص نفسه فيما بينها وبين بعضها.
ومن هنا تولد مفهوم التضحية والحاجة الملحة إليها، فعند تعارض المصالح وتضاربها تصبح مضطراً للتضحية بأحدها، نظير الحصول على الأخرى.
متى تتعارض المصالح وتصبح التضحية حتمية؟
كل منا يرغب في تحقيق كل أهدافه، ويتمنى لو اجتمع بين يديه كل رغباته، دون عائق أو مانع أو ضريبة واجبة السداد، ولكن هيهات، فالحياة ديدنها ألا تعطي أحدا كل ما يريد، وأن يدفع الإنسان ثمن كل ما يريد.
وهناك عدة أمثلة حياتية يحدث فيها تعارض بين هدفين أو رغبتين ويصبح من الصعوبة بمكان الجمع بينهما، فمثلا المجتمع مليء بالآباء أرباب الأسر الذين يعرفون بطموحهم المهني الكبير، فهم ينشدون النجاح الباهر، ويتطلعون إلى تحقيق مكانة متقدمة ومتميزة، وترقيات في السلم الوظيفي، ولكن مع ذلك يحبون قضاء معظم أوقاتهم مع عائلاتهم وأبنائهم، فهم يحرصون على الاستقرار العائلي ويستمتعون بدفء العائلة، ورباط الأسرة الذي يجمع أفرادها، هنا يولد تعارض بين تحقيق الهدف الأول والاستمتاع بتحقيق الرغبة الثانية.
فالارتقاء بالمستوى المهني والوصول إلى التميز والتألق في الحياة المهنية يتطلب مزيدا من التركيز والاجتهاد في طلب المزيد من المهارات والخبرات، ويتطلب مواكبة التطورات التي تحدث في نطاق المهنة وكل هذا لا يحدث إلا مع المزيد من الوقت فضلا عن وقت العمل الأساسي، فيكون ذلك على حساب وقت الأسرة، والأبناء، وهنا يقف الشخص حائرا بين طموحه المهني والمادي، ورغبته في الاستمتاع بمشاركة الأبناء تفاصيل حياتهم وتطور مراحلهم الدراسية أو الحياتية، هنا يجب الاختيار بين الرغبتين.
كذلك يتكرر نفس الموقف مع الأمهات اللاتي غالبًا ما يقعن في نفس المنطقة من الحيرة نفس الصراع بين رغبتهن في تحقيق النجاح والطموح الشخصي لهن، في مجال العمل والحياة المهنية وما يتعلق بها من حلم اثبات الذات والكفاءة، والانتقال من تقدم إلى تقدم، وبين رغبتها القوية في القيام بواجبات الأمومة، وتعهد الأبناء بالرعاية والاهتمام حتى يستطيعوا تبين ملامح الطريق ويصلوا إلى بر الأمان.
فتقف الأم في حيرة من أمرها بين مصلحتها ومصلحة أبنائها، يتجاذبها الهدفان ويشدها كل طموح في جهة عكس الطموح الآخر، وتجد أمامها سؤالا ملحا يفرض نفسه قهرا، أيهما تختار وبأيهما تضحي؟
ابدأ عامك الجديد بحسابات جديدة
ابدأ العام الجديد بحسابات جديدة للتضحية، فبعد مرور العمر وكثرة التجارب اكتشفنا أن لا وجود لفكرة التضحية المطلقة أو التضحية بلا مقابل، وأنه ليس كل شيء يصح أن نضحي به، ولا يصح التفريط فيما لا يمكن تعويضه أبداً.
فمثلا التضحية بسنوات العمر في سبيل أهداف سطحية يعتبر دربا من العبث، والتضحية لأجل من لا يفهمون أو يقدرون قيمتها عبث أيضا، أما التضحية بفعل شيء محرم أو شيء يغضب الله بهدف إرضاء شخص ما، أو سعيا على راحته أو سعادته هو الحمق بعينه، مهما كانت مكانة هذا الإنسان أو معزته، فلا يوجد في الدنيا إنسان يستحق أن تلقي بنفسك في التهلكة وتعرض نفسك لغضب الله مهما يكن!
ابدأ عامك الجديد بتصحيح مفاهيمك الخاطئة عن التضحية
في مقتبل هذا العام ليكن هدفك تصحيح المفاهيم، وتعديل الأخطاء ومن المفاهيم التي تحتاج لتعديل مفهوم التضحية، فقد نشأنا على فكرة التضحية واعتبارها جزء من المثالية، وهذا غير صحيح، لأن العلاقات السوية تقتضي التوفيق بين الغايات قدر الإمكان، حتى العلاقة بين الإنسان ونفسه يجب أن تقوم على التوازن قدر الإمكان.
فلا ينبغي أن تتحمل ما لا طاقة لك به، وتشق على نفسك تحت مسمى التضحية، ولا ينبغي أن تواصل علاقة لا تلائمك ولا تضييف لك أي إضافات، تحت مسمى التضحية، ولا تستمر في دراسة لا تناسب ميولك ولا عمل لا تجد فيه نفسك تحت مسمى التضحية من أجل الأسرة والأولاد، حقق ذاتك واستمتع بحياتك لتكون قادرا على دعم غيرك، فغيرك لا يحتاج تضحيات بقدر ما يحتاج دعما واعيا وذكيا، واحتواء حقيقياً.