بدايةً، ومع بدء العام الجديد، اقرأ معي من أروع ما قيل في الرضا:
أيّها الشّاكي وما بك داء ** كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس ** تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود ، وتعمى ** أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل ** من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال ** لا يرى في الوجود شيئا جميلا
ليس أشقى مّمن يرى العيش مرا ** ويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناس ** عللّوها فأحسنوا التّعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه ** لا تخف أن يزول حتى يزولا
وإذا ما أظلّ رأسك همّ ** قصّر البحث فيه كيلا يطولا
ونحن على وشك الدخول إلى عالم جديد، وعام جديد، نتحدث عن كل ما من شأنه أن يجعله أفضل وأطيب وأروع من سابقيه، نبحث عن كل سبيل يقودنا لتحقيق الخير والنجاح، لا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أغفل عن باب من أبواب السعادة، وطريق من طرقها المؤكدة، وهو باب الرضا، ولا استطيع أن اتناوله دون ذكر تلك الأبيات التي تلخص قضية الرضا، وأسبابه والوصول إليه في أبلغ وأفصح تعبير، حيث جزالة اللفظ وقوة المعنى وسلامة المبنى!
ماهيّة الرضى، وصفات الشخص الراضي
إن الرضا هي حالة من السعادة والراحة والتسليم لكل ما تجود به الأقدار من المنح أو المحن، وحالة من السكينة والطمأنينة تعلو المشاعر وتقود السلوكيات، وتحدد الأقوال ولأفعال.
فالشخص الراضي يميزه هدوء الطبع ورقة القلب، وحلاوة اللفظ، فهو شخص يتمتع بسلام داخلي ينعكس على مظهره وقوله وفعله وسلوكه، فلما كان داخله سالما من السخط والحنق كان ظاهره مصدقا لكل ذلك، إذ لا يوجد بداخله ما يحمله على فحش القول أو فجاجة اللفظ أو حدة الطبع.
فالراضي عن نفسه والمتصالح مع حياته ومقدراتها شخص تعلو محياه البسمة، وتضيئ وجهه إشراقة السعادة، فيكون لينا رقيقا ومن ثم يحبه الناس ولا ينفرون من لقائه ولا ينفضون عن مجالسه.
وعكس الرضا الحنق والسخط والاعتراض على أقدار الله وقسمته، الأمر الذي يورث صاحبه الهم وطول الفكر، و انشغال القلب بهموم الدنيا، ويسيطر عليه التشاؤم، فينعكس ذلك على سلوكه مع الناس ورؤيته للحياة، فلا يستطيع أن يرى فيها جمالا ولا مبررا من مبررات السعادة، وغالبا ينصب تركيزه على أمر أو اثنين يزعجه، ولا يلتفت إلى ما في يده من النعم، وما يملكه من أسباب السعادة والرفاهية. ابدأ العام الجديد بالانضمام إلى صفف الراضين.
أثر الرضا على الإنسان
الحياة التي نحياها دنيا وليست جنة، ففي كل الأحوال لا تعطي الإنسان كل ما يريد ولا تسير وفقا لهواه ولا تأتى مفصلة على مقاييسه أبدا، فهي متقلبة تعطي وتمنع، تقبل على الإنسان حينا وتعرض عنه وتوليه ظهرها حينا آخر، وهذه من مسلمات الحياة وقوانينها التي لا سبيل إلى التشكيك فيها، لذا فإن الإنسان يجب أن يدرك أنه لن يأخذ منها إلا ما قدر له.
وإيمان الإنسان بذلك ينبغي أن يمنحه مشاعر الرضا، فالسخط والحنق لا يغير شيئا، والرضا ييسر على الإنسان رحلة الحياة ومشقاتها ويخفف عنه ضغوطها وهمومها، ويجعل الإنسان يتمتع براحة القلب وراحة البدن، وينعكس ذلك على انفعالاته وطبعه فيكون هادئا لطيفا طيبا، وكل هذا يقيه من أمور كثير وتبعات أكثر هو في غنى عنها.
كيف نتعلم الرضا ونتحلى به؟
ونحن ندع إلى التحلي بخلق الرضا بمعناه العام المطلق، والمقصود هنا الرضا عن الله وعن أقداره وعن كل قسمته لنا التي تخرج عن نطاق اختياراتنا وإرادتنا، وندع إلى تعلمه مع بداية العام الجديد لنغير ملامح عامنا إلى الأفضل، ولنجعل منه عاما جديدا سعيدا، فثمة سؤال يطرح نفسه على مسرح الموضوع، وهو كيف نتحلى بالرضا ونوطن أنفسنا عليه؟ والإجابة في السطور التالية:
• لكي تعلم نفسك الرضا وتبدأ عامك الجديد بالتصالح مع ما قدره الله لك من المنح والعطايا، وتكف عن السخط والقلق والانشغال بالاعتراض، سل نفسك سؤالا احدا، هل السخط والحنق والاعتراض على ما قسمه الله لك يمكنه أن يوصلك إلى أي تغيير؟ أو يحقق لك أي سعادة؟ ويقينا ستكون إجابتك لا، فلم تضيع وقتك وتهدر طاقتك في أمور لا تجدي وأشياء لا تفيد؟ هل هذا من العقل في شيء؟
• جرب أن تمثل وتحاول أن تقنع نفسك بمشاعر الرضا لفترة قصيرة، وتوقف عن الشكوى وردد دائما الحمد لله، ولاحظ كيف تتغير ملامح أوقاتك ومشاعرك؟ وقل صدقا أي الحالين أفضل وأجدى؟
• اعلم أن الرضى هو جنة الدنيا ونعيمها الدائم، وهو كنز من كنوز الآخرة وباب من أبواب الجنة.