الحمد لله الذي أرسل إلينا نبيه ليعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا، ويدلنا على سبل النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، والحمد لله الذي اصطفانا بنعمة الإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والحمد لله ألف حمد أن هدانا إلى معرفة ما افترض علينا من أمور ديننا، فاللهم اتمم علينا نعمك وفضلك واجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه، أما بعد..
فقد افترض الله علينا بعض العبادات التي تمثل أركانا لهذا الدين، يقوم عليها ولا يكتمل إلا بها، وبين لنا عظيم ثوابها لكي نجاهد النفس إذا ركنت إلى تركها أو استثقلت أداءها، ومن تلك الفرائض فريضة الصوم، والتي تأتي كركن ثالث من أركان الإسلام، سوف نتناول هنا فضل الصوم وما أعده الله للصائمين، ومقاصد الصوم، ولما جعل الله لها تلك المنزلة العظيمة؟
مقاصد الصوم
لم يفترض الله علينا عبادة قط ليشق علينا أو من باب العنت أو محض المشقة والتعب، بل افترض ما افترض علينا لمقاصد عظيمة وغايات جليلة تختلف في تفصيلها لكنها تتحد في أنها تهذب النفس البشرية وتطهرها من شوائب الأنانية وحب النفس والانقياد لنداءات الهوى، وترقى بها من مقام عبودية الذات واللذات إلى عبودية الواحد الأحد رب الأرض والسماوات، وكذلك عبادة الصوم لم يرد الله بها مجرد حرمان عباده من الطعام أو الشراب أو شهوة الفرج، بل شرعها لمقاصد سامية منها:
ترويض النفس وكبح جماحها وذلك بمنعها عن إتيان المباحات، بدافع الطاعة المطلقة لله عز وجل وتعويدها على مقاومة الهوى ومخالفة الشيطان والبعد عن المحرمات من باب أولى، فمن يستعين بالله على ترك مباح فالله يعينه بمدده فيمكنه من نفسه فيسهل له الامتناع عن المعاصي ومواقعة الذنوب.
لا خير في مؤمن لا يشعر بمعاناة غيره، وتحرك الرحمة قلبه ويقود العطف والإنسانية خطاه وسلوكياته، من ثم كانت فريضة الصوم هي الوسيلة إلى معايشة حرمان بعض الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فالمسلم يمتنع عن طعامه وشرابه طواعية ويستشعر ألم الجوع والعطش، ويستشعر العجز عن ممارسة متعه، فيحصل بذلك خيرين، أولهما: أن يحمد الله على النعم التي أنعمها عليه ويعرف لها قيمتها ويقدرها حق قدرها، فكم من جائع لا يجد ما يقتات به وكم من ظمآن لا يجد سبيلا يروي ظمأه وكم من أعزب يشق عليه النكاح ويحرم نعمة الزواج، وثانيهما: أن يستشعر معاناة غيره فتتحرك عاطفة العطاء عنده، وتستيقظ بداخله الدوافع الكامنة لمساعدة الغير ومد يد العون لهم.
الإخلاص لله عز وجل، والتقرب إليه هو أحد أهم مقاصد الصوم، فالمسلم يصوم طواعية وأمره بينه وبين الله عز وجل، والصوم هو درب من عبادات الإخلاص التي لا تشوبها شائبة رياء أو سمعة، وهو من السبل الهادية إلى تقوى الله وخشيته.
الثواب العظيم الذي أعده الله للصائمين
لقد أعد الله للصائمين الثواب العظيم، فالله يقدر لعبده امتناعه عن طعامه وشرابه لأجله، وامتناعه عن شهوته فقط لأجل مرضاته، لذا فقد وردت عدة أثار تبين فضل الصيام وثوابه وخاصة الصيام مع تحقق المشقة.
ومن ذلك ما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).
ومنه ما جاء في صحيح مسلم، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي).
اللهم بلِّغنا شهر رمضان ووفِّقنا فيه إلى كُل خير وأعِنا على صيامه وقيامه.
لماذا جعل الله ثواب الصوم مطلق؟
يضاعف الله الثواب للصوم كما يشاء ويجزي به جزاءا غير محدود لأنه وعد الصابرين بهذا الفضل فهو القائل: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ولا شك أن عبادة الصوم تقوم على الصبر وتنطوي عليه، فالمسلم يصبر على الجوع والعطش وهما من أشد ما يحتاجه الإنسان، لذا فإن الله عز وجل يباهي ملائكته بالصائمين الذين يتركون طعامهم وشرابهم لله طمعا فيما عنده، فيجزل لهم العطاء ويضاعف لهم الكرم.