اليوم سأحدثكم عن صيغة الصلاة على رسول الله ﷺ، والتي اِختُصِرَتْ بـ: اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنحل بها العقد. أو هي كاملة كما يُرددها البعض: اللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما على نبي تنحل به العقد وتتفرج به الكرب وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب، وحسن الخواتيم، ويستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله. هل قرأتها بصيغ أُخرى؟ حسنًا جميعها تتماثل أو تتشابه بقوة أو تتطابق مع هذه الصيغة؛ وقد ذكر الشيخ أحمد ممدوح -على أحد الفضائيَّات- أنها تُكرَّر عدد ٤٤٤٤ مرة. فما صحَّة هذا الذي يُقال؟
الصلاة النارية
نعم؛ سمَّاها الشيخ -أو كما سمعها من السابقون- أنها الصلاة النارية، أو الصلاة التازية. وبداية؛ دعني أتساءل في نفسي وأسأل الشيخ الفاضل؛ ما الذي ورد بهذه الصيغة من السنة النبوية؟ كيف وعلى أي أساس تم تحديد عدد تكرارها ٤٤٤٤ مرة لكي تُقضى بها الحوائج؟ ومن أخبر أنها لو قيلت في مجلس واحد تكون كالنور المجمع؟
الحقيقة أنني عندما سمعتها من الشيخ بادرنا إلى تكثيف البحث في كُتب السابقين، ووجدت فعلا أن كُتبًا أوردَت هذه الكلمات. لكني أُردد نفس السؤال: على ماذا يستند هذا الكلام وهذه المعلومة التي نجدها محددة بشكل غريب، كأن تقال بعدد مين وبصيغة معينة ولغرض معيَّن؟
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنحل بها العقد
رأي المخالفون المنكرون للصيغة
عندما بدأت أخذ الرأي والمشورة، فكان أولهم الشيخ مصطفى العدوي، الذي سُئِل على صيغة: اللهم صل على النبي محمد صلاة تنحل بها العقد وتنفرج بها الكُرَب وتُفتح لها أبواب الفرج. فقال أنها كصيغةٍ لم ترِد عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
فإذا كنت تود معرفة صحة حديثٍ ورد فيه هذا اللفظ فلا يوجد؛ ولتتساءل معي أيضًا: من أين جاءت هذه المعلومة أو هذا الدعاء أو هذه الصلاة التفريجية؟
وفي فتاوى اللجنة الدائمة، أن صفة الصلاة على رسول الله ﷺ أن يقول: (اللهم صل وسلم على نبينا محمد)؛ وإن زاد فقال: (وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) -أي الصلاة الإبراهيمية– فذلك الأفضل.
وفي أحد الردود على الأسئلة من قِبل: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي “عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية”؛ قال إن كان هذا القائل يريد بهذا القول (اللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما.. إلى آخره) أن النبي ﷺ هو الذي يحل العقد ويقضي الحوائج فإن ذلك شرك أكبر؛ لأنه قد جعل لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- ما هو من خصائص الربوبية. فإنه -سبحانه- وحده هو الذي بيده الملك ويوفق لحسن الخواتيم وبيده الخير والعطا والمنع؛ فيقضي الحاجات ويفرج الكربات، ويهدي من يشاء من الضلالة، ويوفق من يشاء.
أما إن كان هذا القائل يريد أن التوسل برسول الله ﷺ سبب تحصل به هذه المطالب، فإن ذلك من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ ويتعين عليه أن يعلم أن التوسل بالنبي ﷺ على وجوه:
- الأول: التوسل إلى الله -سبحانه- بالإيمان به ومحبته؛ فهذا حق. لأن الإيمان بالنبي ﷺ ومحبته وطاعته هي أعظم الوسائل.
- الثاني: التوسل بدعائه، وذلك إنما يكون في حياته -عليه الصلاة والسلام- كما قال الصحابي عكاشة بن محصن: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: “أنت منهم”. وهذا حديث شريف ورد صحيح البخاري وصحيح مسلم. وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يسألون النبي ﷺ الدعاء، فيدعو لهم، وإذا أجدبوا سألوه أن يستسقي لهم. لكن، بعد وفاة النبي ﷺ فلم يكن أحد يأت إلى قبره ويسأله الدعاء، بل عدلوا في الاستسقاء إلى دعاء العباس، كما قال عمر -رضي الله عنه- اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقوا. وقد ورد أيضًا في صحيح البخاري.
- الثالث: التوسل بذات أو جاه النبي ﷺ، وهو علو منزلته عند ربه؛ وهذا بدعة -كما صرَّح الشيخ-. وتابع: فجاه رسول الله ﷺ عظيم، ولكن إنما يعود نفع ذلك عليه صلى الله عليه وسلم، ولمن دعا له في حياته، وأما بعد وفاته فلا يطلب منه الدعاء -كما تقدم-. فالمقصود أن هذا الدعاء مخالف للسنة النبوية والدعاء به حرام؛ لأن ألفاظه دائرة بين الشرك والبدعة. نعوذ بالله من الضلال واتباع الهوى.
أدعوك هنا لتقرأ دعاء الاستخارة مكتوب مع شرح كيفية الصلاة — لكل مسلم أهمَّه أمر ويتردد فيه
رأي المؤيدون المجيزون لهذه الصيغة
لقد احتج الذين يدعون إلى هذه الصيغة من الصلاة على المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بأن لها أصلا في الكتاب والسنة؛ نعم، ليست بهذه الصيغة تحديدًا ولكن ما يدل على فضل الصلاة على النبي المختار -عليه الصلاة والسلام- في العموم.
ويقولون -ردًا على من قال ببدعة وشركية هذه الصيغة- أن من يدَّعون شركية هذه الصيغة يقولون أنها أضافت إلى النبي ﷺ أوصافًا لا تُضاف إلا لله -سبحانه وتعالى-؛ فهل قلنا في الصيغة أن رسولنا الكريم هو موجِد هذا الكون، أو يخلق من العدم، أو هو المستقل بتصريف تدابير الخلق، أو غيرها من صفات الربوبية؟ بالطبع لا -وِفقًا لما صرَّح بِه-.
وأضاف: إذًا؛ فمن أين أتى الإشكال؟
يقول: هم يقولون أن عبارات في هذه الصيغة مثل (تنحل به العقد) لا تجوز، فحلَّال العُقَد هو الله سبحانه وتعالى، وهذا -على حد وصف الشيخ أحمد ممدوح- نموذج من نماذج العقلية المتشددة التي تُسيء الظن بكلام المسلمين. فحرف الباء في اللغة العربية يحمل عِدَّة معاني، ومنها أنها تكون للسببيَّة، فتكون الصيغة الكاملة للجملة (تنحل بسببه العقد). ألم تنحَل عُقد الشرك والجاهلية ومساوئ الأخلاق ببعثة النبي ﷺ ؟
وأكمل الشيخ “ممدوح”، وعن قولهم في عبارة “تنفرج بها الكرب)، فنعم، فهي تكون سببًا في ذلك، كأن يُقرِض أحدهم الآخر مبلغًا من المال ليُفرِّج عنه كربته من دين أو إعالة أُسرَةٍ أو مريض.. الخ. فالنبي ﷺ يُفرِّج الله به الكُرَب، ومنها أعظم كربة يمر بها الإنسان وهي الموقف العظيم بين يدي الله -سبحانه-.
ثم (تقضى به الحوائج)، فيقول الشيخ أننا نتوجَّه إلى الله -تبارك وتعالى- ونطلب منه حوائجنا متوسلين إليه بسيدنا محمد –عليه الصلاة والسلام-؛ والتوسل به وبسائر الأنبياء ثم بالصالحين هو -كما أكَّد- أمر مشروع جائز نصَّ على جوازه الأئِمَّة الأربعة المُتَّبعة.
ثم باقي الحديث..
فأين الخطأ في هذا كله؟؛ فأكمل: الخطأ في العقلية التي تُسيء الظن، التي تتكبر وتدَّعي فَهم الشريعة أفضل من غيرهم.
ثُم تطرَّق أخيرًا إلى قضيَّة العدد، وهي كونها محددة بعدد ٤٤٤٤ مرَّة، فماذا كان قوله؟
قال الشيخ أحمد ممدوح، أن هذه الأمور مبناها على التجريب، وتسمى بالمجرَّبات؛ فالمجرَّبات المقبولات من العلماء نعمل بها.
واستدل الشيخ بجواز العمل بالمجربات أن ابن القيم في “مدارج السالكين” ينقل عن شيخه ابن تيمية أنه كان يقول: من داوم بين سنة الصبح وبين صلاة الصبح على قول يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، ٤٠ مرَّة، لم يمُت قلبه، ويُحيي الله قلبه.
فيتساءل الشيخ: من أين أتى تحديد هذا العدد بالذات “الأربعين مرَّة”؟ فهل كانت واردة في الكتاب والسنة؟ لا، فهي بالتجريب.
الخلاصة
هذا يا صديقي بعض ما توصَّلت إليه في بحثي وتدقيقي في هذا القول. بالطَّبع أنا لا أُجيز ولا أفتي بجواز هذا أو تحريم هذا. لقد تناولت معك وسردت لك بعض ما قرأت، فالمسائل الخلافيَّة تحتاج مختصّون يبتّون في الأمر.
أما أنا فأدعوك أن تُردِّد معي: اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله.