الصدقة وثوابها هي موضوع يشغل بال كُل مؤمنٌ صادِق. فالدنيا بكل ما فيها لا تغني عنك شيئا حين يداهمك الوجع أو يهاجم المرض جسدك ويفتك بروحك، والأموال على قوتها لا تستطيع دفع الضر عنك، وخزائنك الممتلئة بالأموال والذهب والفضة لا تساوي وزنها ترابا حين تحين لحظة الوقوف بين يدي الله عز وجل، وأنت ترى صحائف أعمالك وتنهش الحسرة قلبك .. ولسان حالك يقول ليتني كمنت من المتصدقين!
كلنا نعرف الصدقة وفضلها ومكانتها بين العبادات، ومعظمنا يحفظ الأثار التي تحث على الصدقة من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية. ولكن من منا يضع ذلك كله موضع التطبيق؟ ومن منا يدرك فضل الصدقة؟ ويفهم منطقها ويعي قانونها؟
في هذا المقال سوف نعيد النظر في فهمنا للصدقة ووعينا لثمار الصدقة الطيبة وتأثيرها المذهل على جوانب الحياة وما تجلبه من البركة في الرزق والعمر والصحة والولد. سوف نتعلم كيف نتاجر مع الله تجارة رابحة لا تبور أبدا ولا يلحقها الخسران مهما طال الزمان.
الصدقة بركة في المال والعمر
من العبارات المرتبطة بالصدقة أنها بركة في المال والعمر، وهنا سنوضح معنى تلك العبارة ومرماها ومنطقها.
الصدقة هي أن تقتطع جزء من مالك لمن يحتاج لذلك، دون عوض ولا انتظار مقابل، ودون مَن أو مراءاة. وهي من أعظم القربات، لأن النفس البشرية جُبلت على حب التملك وحيازة متاع الدنيا من مال وزينة. ومن أصعب ما يكون عليها أن تُدرب على العطاء والمنح، وأن تُربى على فكرة الإيثار والإحساس بالآخرين وتقدير حاجاتهم، والشعور بحرمانهم فالصدقة هي مجمل كل تلك المعاني، بملامحها الإنسانية والدينية.
لذا كانت الصدقة من أعظم العبادات وأشقها على النفس وأعلاها درجة عند الله عز وجل. ومن اللطائف الواردة في أجر الصدقة أن العبد يتصدق بالصدقة كالتمرة أو الدرهم لا يساوي الكثير وقد لا يلقي له بالا، فيربيه له الله كما يربي الإنسان فلوه -أي مهره أو دابته-، حتي يعظم ويكبر فيصبح كالجبل فيجده العبد يوم القيامة فيجزيه الله بقدره.
بعض من فوائد الصدقة
يقال في فوائد الصدقة أنها تقي صاحبها من مصارع السوء، وتعمر بها الديار ويبارك الله بفضلها في الأعمار، وتطفئ متى كانت خالصة مخلصة لله غضب الجبار، ومن ذلك ما جاء عن النبي -ﷺ- أنه قال: (صدقة السر تطفئ غضب الرب).
الصدقة باب من أبواب استجابة الدعاء
تعتبر الصدقة من القربات والوسائل الناجحة في الاستعانة بالله على قضاء الحاجات وتفريج الكربات وكشف الهم ودفع الضر. وقد اعتاد بعض الصالحين على تقديم الصدقة عند التوجه لله بالدعاء والمسألة. مصداقا لقوله جل وعلى (يا أيها الذين أمنو إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) ومن باب أولى مناجاة الله والوقوف بين يديه طلبا لقضاء حاجة أو دفع هم أو غيره.
ومن الأحاديث الشريفة التي تؤكد هذا المعنى وتؤصله قول النبي -ﷺ- (اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم الدولة يوم القيامة).
ويحكى أن أحدهم جاء يشكو إلى موسى بن جعفر -رضي الله عنه وأرضاه- ما يجده من التشاؤم والتوجس من المستقبل واليأس فأوصاه بأنه كلما وقع في قلبه خاطر من التشاؤم أو الخوف أن يتصدق على أول مسكين يقابله، ثم يكمل طريقه، فإن الصدقة بإذن الله تدفع عنه ما يخافه.
ومن اللطائف الواردة في باب الصدقة وفائدتها في دفع الضر وتحصيل الشفاء بفضل الله ما قاله ﷺ- : (داووا مرضاكم بالصدقة).
فقد سمعت من أحد العلماء معنى وقر في ذهني واستقر في ذاكرتي وارتاح له قلبي. حيث يقول إن التداوي بالصدقة كالتداوي بالعقاقير لا يقل عنها فاعلية ولا تأثيرا، بل يأمن صاحبه الأثار الجانبية التي تترتب على تناول العقاقير الطبية، شريطة أن يتناولها كما يتناول العلاج، موقنا بفائدتها وعظيم أثرها.
وأذكر أننا لو بلغ بنا اليقين أن ندفع من أموالنا ما نقي به أنفسنا لوفرنا كثيرا من النفقات التي تنفق على العلاج وما يترتب عليه من تبعات، ولطهرنا أموالنا وقلوبنا من حب المال والحرص عليه.
وأخيرا فهذا المقال بمثابة دعوة لإعادة النظر في تقصيرنا في أمر الصدقات. ولنعلم أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه يحرمها ما أعد الله للصدقة والمتصدقين من ثواب جزيل وعطاء لا ينقطع! فاتقوا الله عباد الله ولا تبخلوا على أنفسكم بما ينفعكم يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم!