هو شيخ الأزهر الشريف وواحد من أبرز علماء الدين الإسلامي والمعارف المتصلة به في القرن العشرين، فقيه واسع الأفق، ومفسر واسع الاطلاع أضاف في مجال التجديد الديني الكثير، وكان أول حامل للقب الإمام الأكبر، كان مؤمنا أشد الإيمان بضرورة القضاء على الخلاف بين المذاهب الإسلامية.
ويعتبر أول من أدخل دراسة المذاهب في الأزهر الشريف، فقد كان مع توحيد المسلمين ولم شملهم وصدر في عهده قانون إصلاح الأزهر الشريف سنة 1961م، ودخلت العلوم الحديثة إلى الأزهر جنبا إلى جنب مع العلوم الدينية، وأنشئت العديد من الكليات وارتفعت مكانة الأزهر، ومكانته كعالم بارز من علماء الدين الإسلامي في مختلف البلدان ولد الشيخ شلتوت في منية بني منصور التابعة المركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة في مصر سنة 1893م، حفظ القرآن الكريم وهو صغير، ودخل معهد الإسكندرية، ثم التحق بالكليات الأزهرية ونال شهادة العالمية من الأزهر سنة 1918م، وعين مدرسا بمعهد الإسكندرية سنة ۱۹۱۹م، وشارك في ثورة 1919م، بقلمه ولسانه وجرأته.
ونقله الشيخ محمد مصطفى المراغي لسعة علمه إلى القسم العالي، وناصر حركة إصلاح الأزهر وعندما فصل من منصبه اشتغل بالمحاماة، ثم عاد للأزهر سنة 1935م للعمل مدرسا بكلية الشريعة فاختار لنفسه أن يدرس مادة جديدة لم تكن مقررة من قبل هي مادة الفقه المقارن، فكان أول من بدأ تدريس الفقه المقارن في الأزهر، واختير عضوا في الوفد الذي حضر مؤتمر “لاهاي” للقانون الدولي المقارن سنة 1937م، وألقى فيه بحثا تاريخيا مهما، تحت عنوان: “المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية”، ونال البحث استحسان أعضاء المؤتمر، فأقروا صلاحية الشريعة الإسلامية للتطور واعتمدوها آنذاك في ثلاثينيات القرن العشرين مصدراً من مصادر التشريع الحديث، وأنها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية كما قرر المؤتمر أن تكون اللغة العربية – لغة الشريعة الإسلامية إحدى لغات المؤتمر في دوراته المقبلة، وأن يُدعى إليه أكبر عدد من علماء الإسلام على اختلاف المذاهب والأقاليم، ونال بهذا البحث المتفرد عضوية جماعة كبار العلماء.
كما ينسب للشيخ شلتوت أفكاره التنويرية وكان أول من نادى بتشكيل مكتب علمي للرد على مفتريات أعداء الإسلام، وتنقية كتب الدين الإسلامي من البدع والضلالات، وكانت هذه الدعوة مقدمة لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية.
عين سنة 1946م عضوا في مجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين) وانتدبته الحكومة لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق في سنة 1950م، كما كان له الفضل في إنشاء معاهد لتعليم البنات، وكلية البنات بالأزهر الشريف، وعين مراقباً عاما للبعوث الإسلامية؛ فوثق الصلات بالعالم الإسلامي.
وفي سنة 1957م اختير سكرتيرا عاما للمؤتمر الإسلامي ثم عين وكيلا للأزهر، وفي سنة 1958م صدر قرار بتعيينه شيخا للأزهر، وسعى جاهدًا للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وزار كثيراً من بلدان العالم الإسلامي، وارتفعت مكانة شيخ الأزهر حتى لاقى من الجميع كل الإجلال، وكان يحترمه قادة العالم ويرسلون إليه الرسائل، بل زاره بعضهم في مرضه، ومنحته أربع دول الدكتوراه الفخرية وأوسمة الشرف تقديرا لعلمه وفضله وأبحاثه العلمية، واعترافا بمنزلته الرفيعة، ومكانته السامية.
ومن مؤلفاته: فقه القرآن والسنة، ومقارنة المذاهب والقرآن والقتال، ويسألونك (وهي مجموعة فتاوى)، كما ألف الكثير من الكتب التي ترجمت لعدة لغات، منها: منهج القرآن في بناء المجتمع، ورسالة المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية، والقرآن والمرأة، وتنظيم العلاقات الدولية الإسلامية الإسلام عقيدة وشريعة، تفسير الشيخ شلتوت.
وهكذا كان هدف الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر إصلاح الأزهر الشريف، وتنقية كتب التراث وإزالة الغبار واللبس عن بعض المفاهيم المغلوطة عن الدين، وتوضيح المعاني الحقيقية للجهاد في العصر الحديث، والاستمرار في دراسة حوار الحضارات والأديان، ونزع الرؤى المتعصبة، وتأسيس جيل قادر على معايشة عصره والتقدم التكنولوجي الهائل، وفي نفس الوقت الاحتفاظ له بدينه وثوابته.
وتوفي رحمه الله بالقاهرة في السابع والعشرين من شهر رجب سنة 1383هـ الموافق 13 من ديسمبر سنة 1963م بعدما خطا رحلة طويلة في مضمار التجديد الديني.