الشيخ الحافظ «منصور مالكيتش» أستاذ القراءات، والإمام الأول بجامع «الغازي خسرف بك» بـ«سراييفو»، وهو من مواليد «جيفينيتسا» (التابعة لإقليم توزلا) في 11 مايو 1970م، أنهى تعليمه الثانوي في مدرسة «الغازي خسرف بك»، ثم التحق بكلية الدراسات الإسلامية، وفي 2001م أنهى حفظ القرآن الكريم، ونال الإجازة من اللجنة المعتمدة التابعة للمشيخة الإسلامية في البوسنة. وكان في ذلك الوقت على وشك الحصول على الإجازة من كلية «الدراسات الإسلامية»، وكان بحثه حول «قراءة القرآن» مع تفاسير الآيات المتعلقة بهذا الشأن. وقد شارك الحافظ «منصور مالكيتش» في عدد من المسابقات القرآنية، وفاز عام 1996م بالمرتبة الأولى على مستوى أوروبا، في مسابقة القرآن الكريم التي أقيمت في ذلك الحين بـ«زغرب» (كرواتيا).
ثم أصبح عضواً في لجان التحكيم، سواء على مستوى البوسنة أو أوروبا.
وللشيخ عدة تسجيلات للقرآن الكريم على أشرطة عادية، وعلى أقراص الـ«سي دي». وفي أثناء الحرب عمل إماماً وخطيباً ومعلماً للقرآن في مسجد «السلطان أحمد» بـ«بوغوينو» شمال غرب البوسنة، وفي سنة 1994م بدأ عمله كمؤذن بمسجد «الغازي خسرف بك»، قبل أن يصبح إمامه الأول وخطيبه المفوّه، وفي الوقت نفسه يعمل أستاذاً للقراءات بمدرسة «الغازي خسرف بك» الإسلامية الثانوية، ويرعى حلقة الحفّاظ الجدد، حيث تخرّج على يديه حتى قبيل رمضان الجاري (13) حافظاً تمت إجازتهم من قبل اللجنة التابعة للمشيخة الإسلامية.
مشايخه
وعن مشايخه وأساتذته قال الشيخ «منصور مالكيتش»: «لقد درست في البوسنة، وأساتذتي هم الحافظ الدكتور «فاضل فاضليتش»، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية، وكان محفظي للقرآن الكريم. وفي مدرسة «الغازي خسرف بك»، كان الشيخ الحافظ «عصمت سباهيتش»، نائب رئيس العلماء في البوسنة، إلى جانب الأستاذ «حمدي بيغيتش»، وهو أحد خريجي الأزهر الشريف.
190 حافظاً بالبوسنة
ويؤكد الشيخ «منصور» أن عدد الحفَّاظ اليوم في البوسنة يبلغ 190 حافظاً، ممن تم امتحانهم من قِبل اللجنة التابعة للمشيخة الإسلامية، لكنه أشار إلى أن عدد الحفّاظ أكبر من ذلك، لأن الكثير منهم لم يُمتحن من قِبل لجنة الحفّاظ، وينتظرون دورهم للامتحان، أو أجيزوا في أماكن أخرى.
وأضاف الشيخ «منصور»: «حسب النظام عندنا في البوسنة، يتم الطالب حفظ القرآن على يد محفّظ، الذي يسمح للحافظ بالمثول أمام اللجنة بعد تأكده من الحفظ. وتتكون اللجنة من (6) أعضاء، جميعهم من الحفّاظ، وأساتذة القراءات، وعلى المرشّح قراءة القرآن الكريم كاملاً أمام اللجنة، وإذا نجح تُمنح له شهادة حافظ».
وعن العقبات التي تحول دون ازدياد عدد الحفَّاظ في منطقة غرب البلقان قال: «في الوقت الراهن لا توجد أي عقبات، لكن يجب التذكير بأن اللغة العربية ليست هي اللغة الأم في المنطقة، فنحن مثلاً نتكلم اللغة البوسنية، بينما القرآن باللغة العربية، ويجب حفظه بهذه اللغة (التي هي لغة العبادة في الإسلام)، ومن هذا المنطلق يجد الحافظ صعوبة في الحفظ، ولا سيما في المراحل الأولى، بينما لا يجد العربي عنتاً كبيراً، لأن العربية لغته الأم، فقراءة كتاب باللغة العربية يوازي قراءة العربي لكتاب باللغة البوسنية».
تيسير القرآن للذكر
واستدرك قائلاً: «القرآن الكريم حالة خاصة، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز جل شأنه: (لّقّدً يّسَّرًنّا پًقٍرًآنّ لٌلذٌَكًرٌ فّهّلً مٌن مٍَدَّكٌرُ ) ~(القمر)، فهناك مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين من غير العرب، قد يسّر الله لهم حفظ القرآن، بينما ملايين العرب لا يحفظون كتاب الله تعالى».
وعمّا إذا كانوا راضين عن النتائج التي تحققت حتى الآن، وكيف يمكن زيادة عدد الحفّاظ قال: «إذا قارنّا عدد الحفّاظ في البوسنة، بعددهم في البلاد العربية يكون عدد الحفّاظ لدينا قليل، لكن إذا نظرنا إلى عدد السكان في البوسنة ونسبة المسلمين، ومدى تعرضهم للمجازر بين حقبة وأخرى، وما ينتج عن ذلك من قتل، وتهجير، واعتقال للعلماء والدعاة، إذا نظرنا إلى كل ذلك نكون راضين عن أن الإسلام بقي في هذه الديار، وراضين عن الخدمة التي قدّمها أهل القرآن في البلقان للإسلام بما في ذلك النتائج التي تم تحقيقها حتى الآن بفضل الله تعالى، فله الحمد وله المنة».
تشجيع الطلبة
وأضاف «من المهم جداً الاشارة إلى أن عدد الحفّاظ في منطقتنا في ارتفاع مطرد، أو بعبارة عندنا «بولاكو إلى سيغورنو» أي نسير الهوينى، ولكن بثبات، والمشيخة الإسلامية ومن خلال المدارس الإسلامية الست، تعمل على زيادة عدد الحفّاظ لكتاب الله تعالى، وتقوم بتشجيع الطلبة على الحفظ، وتقدم لهم المنح لمن هو قادر على حفظ كتاب الله في ربوعنا».
وعن المدة التي يستغرقها إعداد حافظ لكتاب الله، أفاد الحافظ الشيخ «مالكيتش» بأن: «هناك من حفظ القرآن الكريم في خمسة أو ستة أشهر، ولكن عددهم قليل بالتأكيد» وتابع: «الفترة الزمنية للحفظ عندنا لا تقل عن سنتين، فالطالب يحتاج لتعلم الحروف العربية،والتجويد على يد إمام معلّم أو محفظ».
حلقة في كل مدرسة
وحول حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد، وما إذا كان لديه أي ملاحظات عليها من حيث التزام الطالب بالحضور ومواصلة تعهده من قبل المدرس بالرعاية، أجاب: «في الغالب تكون عملية حفظ القرآن مرتبطة بالمدارس الإسلامية الثانوية، في كل مدرسة توجد حلقة لتحفيظ القرآن الكريم أو أكثر، يشرف عليها حافظ لكتاب الله، أو أستاذ قراءات، وهذه الحلقات تؤتي ثمارها، وتحقق إنجازات كبيرة على صعيد حفظ القرآن وتجويده. وإلى جانب تعليم القرآن يتم غرس أخلاق القرآن في المترشّح لحمل مشعل القرآن بحفظ كتاب الله تعالى، وواصل: «إذا لم يكن لديك أخلاق حسنة، وإذا لم تعمل بما يطلبه منك القرآن، فلا حاجة لك في حفظ النص المكتوب، ولذلك سمي الحفّاظ حفّاظاً لأنهم يحفظون القرآن، ويعملون به، ويمثلون قدوة لغيرهم من المسلمين، فالحافظ الجيد هو الذي يعيش وفق منهج القرآن».
وعن تقييمه لعملية الإقبال على حفظ القرآن الكريم في المنطقة أفاد بأنه: «قبل حرب الإبادة الأخيرة 1992 – 1995م وفي الفترة الشيوعية انخفض عديد الحفّاظ، ولكن بعد حرب الإبادة التي تعرّضنا لها في البوسنة، أصبح الاهتمام بحفظ القرآن أكبر، وارتفع بشكل ملحوظ عدد القراء والحفّاظ، ونأمل أن يزداد عدد الحفّاظ في المستقبل باطراد».
وبخصوص السُّبل الممكنة للارتقاء بجهود خدمة كتاب الله حفظاً وتلاوة والتزاماً، قال: «المشيخة الإسلامية في البوسنة تبذل قصارى جهدها لخدمة كتاب الله الكريم، وتكريم حفّاظ كتاب الله تعالى وهذا أمر جيد، ونحن في البوسنة نقرأ القرآن بحب لكلام الله جلّ شأنه، ورغبة فيما أعده سبحانه لحملة كتابه من جزاء».
وهنا: أسماء أجمل أصوات الشيوخ في القرآن الكريم.. اختر من بين 62 قارئ في القائمة
الإمام في رمضان
وفي ردّه على سؤال بخصوص، كيف يكون الإمام في رمضان من خلال تجربته الشخصية، شدد على أن «رمضان يمنح الحافظ مسؤوليات كثيرة، فتلاوة القرآن وفي مواعيد الفجر، وبين الظهر والعصر، تقليد توارثه الحفّاظ في المنطقة منذ عدة أجيال، ففي مسجد «الغازي خسرف بك» مثلاً، وقبل صلاة الفجر، وقبل العصر، يقوم الحفّاظ بقراءة القرآن غيباً، مع الترتيل، وبمشاركة المسلمين بالمتابعة عبر المصحف أو الاستماع، وبذلك يشجعون على الحفظ، ويساعدون من يرغب في مراجعة حفظه على المتابعة، ومن لا يستطيعون القراءة على الاستماع، وهذه عادة حسنة وجميلة لم تبق سوى عندنا في البوسنة. وهي تذكير بنزول جبريل عليه السلام لمراجعة الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان».
فعاليات رمضانية
وبخصوص رمضان في حياة الحافظ لكتاب الله، يشير الحافظ «منصور مالكيتش» إلى أن «رمضان وخاصة لياليه بالنسبة للحافظ قصيرة جداً، ففي وقت السحور آتي إلى المسجد للمشاركة في حلقة قراءة القرآن، والتي تستمر حتى صلاة الفجر، بعدها أذهب لقضاء شؤوني الخاصة، وذلك حتى صلاة الظهر، وإذا وجدت وقتاً أمكث لقراءة القرآن، وبعد صلاة الظهر أستعد لحلقة قراءة القرآن إلى صلاة العصر، بعدها أعود للبيت لتناول الإفطار، وبعد الإفطار أعود مجدداً لمسجد «الغازي خسرف بك» (أشهر المساجد في سراييفو والبوسنة والبلقان) لإلقاء دروس ومحاضرات رمضانية مع عدد من أساتذة القراءات، أو الأساتذة من كلية الدراسات الإسلامية، وذلك حتى صلاة العشاء، حيث نصلي الفرض، ومن ثم التراويح، وبعدها أستريح مع بعض الأصدقاء لشرب القهوة والشاي، ثم أعود للبيت، وهذه أهم الالتزامات للحافظ في رمضان، ولكن هناك التزامات أخرى ليس هنا مجال ذكرها، كما لي وردي في البيت، لذلك قلت إن رمضان قصير بالنسبة للحافظ، وللمسلم الملتزم بصفة عامة، فمن يرد الوصول يستطع التوفيق بين التزاماته وترتيب وقته».
وفي كلمة أخيرة يتوجه بها للمسلمين عامة، وفي رمضان خاصة قال: «ابتعدوا عن الحرام، افعلوا الخير ولا يحقرن أحدكم من الأمر شيئاً، مع التحلي في هذا الشهر الكريم بالصبر، والتروي، وبطريقة عملية وفق تعاليم الإسلام».
واقرأ هنا عن: صحيح البخاري: رحلة في حياة الإمام وكتابه الجامع الصحيح